من أغبى الردود على عملية الأمس، أن المظاهرات ضد نتنياهو توقفت بسبب ضربات إيران، هي نفسها الردود الغبية التي ادعت بأن طوفان الأقصى يوم ٧ أكتوبر الماضي أدى لتوقف المظاهرات ضد نتنياهو ، وأن إسرائيل توحدت بسبب الهجوم..
وليكن في معلومك:
أولا: لا فارق بين حكام إسرائيل سواء ليكود أو عمل أو كاديما، جميعهم صهاينة يمتلكون احلام توسعية وطرد العرب والسكان الأصليين من فلسطين..
ثانيا: مصر حاربت إسرائيل عدة مرات في ظل حكم حزب العمل، بينما صنعت السلام معها في ظل حكم الليكود، وإسرائيل لم تنسحب من #غزة عام ٢٠٠٥ بقرار من حزب العمل بل من الليكود.
يعني مش قاعدة إن لازم نتنياهو يمشي أو حزب الليكود لكي تحصل على السلام..
ثالثا: موازين الردع والسلام تصنعها القوة وليس تبدل القيادات، والعرب خسروا كثيرا في ظل رهانهم على السلام مع شخوص وأحزاب معينة، والسبب الأصيل في ذلك جهل العرب بالمجتمع الإسرائيلي من الداخل..
رابعا: التطرف الديني الصهيوني يحكم إسرائيل منذ عقود، والأجيال الشابة الحالية في إسرائيل تأسست على هذا التطرف، فوفقا لآليات الديمقراطية يستحيل أن تنجب انتخابات إسرائيل قيادات معتدلة أو مؤمنة بالسلام..
خامسا: الذي يحكم اسرائيل عمليا هو الجيش، أما الأحزاب فتتولى مسؤولية القطاع المدني، لكن شؤون الحرب والدفاع والأمن القومي حصرا لقواتهم المسلحة، والذي يتحكم في هذه القوات هي عقيدة بن جوريون والعصابات المؤسسة للدولة..
لذا فإسرائيل ما زالت تنتهج أسلوب العصابات في الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية ولم تتعامل مع خصومها بعد كدولة..
سادسا: الجيش هناك له احترامه وقدسيته وممنوع هناك الطعن فيه أو مواجهته ، فالحرية بإسرائيل محصورة في الأحزاب والعمل السياسي لكن الجيش هو الوعاء الذي يصهر الجميع في دولة إسرائيل..
والسبب الأساسي في هذا التكوين المعرفي الإسرائيلي هو فضل الجيش الأول ببقاء الدولة منذ الأربعينات، وعبورها العديد من المحطات والحروب بفضل ما يسموه جيش الدفاع..
سابعا: إسرائيل كيان احتلال من النوع الاستيطاني التوسعي القائم على أساس ديني، وهو أوسخ وأخطر أنواع الاحتلال على الإطلاق..
بريطانيا احتلت مصر لكنها لم تستوطن ، فرنسا احتلت الجزائر واستوطنت لكن ليس على أساس ديني، بينما إسرائيل جمعت كل هذا السوء وأضافت إليه البُعد الديني، ومثل هذا النوع من الاحتلال يضيق الخيارات بشدة ويضعك بين أمرين اثنين، إما تخضع وتقبل باستيلاء الصهاينة على فلسطين وطرد شعبها، وإما تقاومهم بما لديك من سلاح حتى لو كان ضعيفا..
الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي في كتابه ” الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل” تعرض لهذا المعنى، وقال أن الدعم الغربي لإسرائيل لتخويف العرب أعطى انطباعا أسطوريا عنها بأنها لا تُقهر..لكن في الواقع هي ليست كذلك، فمجرد مواجهة بسيطة وشجاعة يظهر هذا الزيف..
تخيل حضرتك أمريكا وبريطانيا وفرنسا شاركوا أمس في صد الصواريخ عن إسرائيل ومع ذلك سقط العشرات منها على أهدافها..
ماذا لو لم تشارك هذه الدول في حماية إسرائيل ؟ بالتأكيد لرأينا أضعاف ما سقط أمس يسقط على قواعد اسرائيل ويدمرها ، فهذه الدولة بائسة للغاية ولولا الدعم المقدم لها من مجموعة السبع الكبار لسقطت بفعل التحلل الذاتي والخوف وحالة الطوارئ المستمرة التي لم ولن تتوقف..
الخلاصة: أن الرهان على سقوط نتنياهو بالانتخابات أو المظاهرات هو رهان خاسر، والذي ينتظر السلام مع إسرائيل وانسحابها وقبولها باستقلال فلسطين في ظل قيادة معينة سينتظر إلى ما لا نهاية، فلا حل مع هذه الدولة سوى القوة..
فالردع لا يصنعه الصندوق الانتخابي ولا التوسل والتذلل لقيادات بعينها، ولكن الردع ينشأ فقط بالقوة، والسلام لا تحصل عليه الأمم سوى بالسلاح.
- كاتب وباحث مصري