كتب: محمدسلطان غالب
في البداية نحن فخورن جدًّا بالأداء المميز لأبطال مسلسل الجليلة الإذاعة والسيناريست في كتابة السيناريو، رغم شحة الموارد والرعاة وإلا ففكرة المسلسل تستحق أن يتم تمثيله في الدراما اليمنية.
وفعلًا الاستاذ محمد الداهية من العقول التي تسعى لتطوير الدراما الإذاعية اليمنية من خلال ما يقدمه في مسلسلاته الاذاعية وبرامجه وما يميزه عن غيره من الكتاب على الساحة اليمنية من ميزات وأفكار وسلاسة من شأنها أن تعطي الإلهام للاعلاميين والسيناريست على الساحة اليمنية لشق طريقهم في عالم كتابة السيناريو للدراما الإذاعية اليمنية والتلفزيونية.
رغم تطور التكنولوجيا الكبير وتهديد الصورة لكل ما سواها من فنون مسموعة ومقروءة، فإن الإذاعات بما توفره من مواد مسموعة تلقى انتشارًا كبيرًا اليوم، حتى أنها تقدم العديد من الأعمال الدرامية اليمنية التي تراجعت في منافسة الأعمال المرئية ولكن من خلال مسلسل الجليلة نلاحظ عودة منافسة الدراما الإذاعية ونجد لها متابعين ومعجبين، رغم بعض الهنات التي يسقط فيها منتجوها، الدراما الإذاعية في العالم العربي ككل تشهد استفاقة لافتة تذكّر بمرحلة الستينات والسبعينات أي بحالة ما قبل الانتشار التلفزيوني الموسع، ونرى إبداع محمد الداهية وفريقه من خلال مسلسل الجليلة سيعيد لليمنيين في الكثير من البيوت يوم كان الناس يتحلقون حول جهاز الراديو في المنازل والسيارات والمزارع أو في سهرات المقاهي ودكاكين الحلاقين والبقالات وغيرها.
فتهانينا مقدّمًا للمبدعين المشاركين في تمثيل المسلسل الإذاعي الجليلة وتهانينا للعملاق الاعلامي السيناريست محمد الداهية كتابة سيناريو المسلسل ، ونكتشف مصدر إلهامه في هذه الكتابة الإبداعية للسيناريو الأكثر من رائع! المستوحى من هويتنا وتاريخنا العربي اليمني.
المفارقة أن الفضل في هذه الانتعاشة اللافتة للدراما الإذاعية ودور السيناريست الداهية لا يعود إلى الدراما نفسها التي تعيش بدورها مواطن ضعفًا على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج، وإنما أفكار الكاتب والمحفزات والأطر التي تظهر فيها ومن خلالها.
أول المحفزات التي تجعل الدراما الإذاعية اليمنية محل متابعة واهتمام هو تطورات الحياة المدنية، وهي مفارقة أخرى.
أليس من المفروض ومن المتوقع أفولها بعد تطور التكنولوجيا الهائلة في عالم الصورة، ثم إن الراديو هو الجد العجوز لوسائل التواصل والتواصل منذ أواخر القرن التاسع عشر؟
الحقيقة هي أن أفكار ومثابرة السيناريست محمد الداهية واغتنامه لما تبقى من شغف السماع للراديو في السيارات ووسائل النقل، واهتمامه بنشرها في وسائل التواصل التي يتم متابعتها في التليفونات الجوالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، هي التي أعادت الشغف وتطوير الدراما الإذاعية اليمنية أسوة بغيرها من الدراما العربية على التوجه نحو الإذاعات، وذلك لأن الصورة تتعذر متابعتها في أوقات قيادة المراكب وساعات العمل المكتبي وحالات الحركة والتجوال.
وبسبب جشع مدراء بعض الإذاعات أصابوا المستمع اليمني بالإحباط بسبب كثرة الإعلانات التي تنفر المستمعين وكذلك التجار ، يعتقد أنه كلما طال وأعاد الإعلان أنه أفضل له.. وعليه، كان لا بد من أفكار جديدة لإعادة المستمع لاستخدام حاسة السمع لملء ذاك الفراغ الحاصل في عصر لا بديل فيه عما يحدث أو “ما يجب أن يحدث” من وقائع على مستوى الأخبار ورصد الأحداث في الواقع الحقيقي المعاش في وكالات الأنباء أو الافتراضي التخيلي في التمثيليات الإذاعية من مسلسلات ومسرحيات.
أما على مستوى التقييم الفني للدراما الإذاعية في العالم العربي،وفي اليمن فيتراوح بين الغث والسمين، والمتميز والعادي والضعيف، وكذلك من بلد إلى آخر، وبحسب التصنيف الموضوعي، فالتاريخي يختلف عن المعاصر، والاجتماعي الدرامي يختلف عن الاجتماعي الكوميدي، بالإضافة إلى المقطوعات التمثيلية المتصلة ببرامج وثائقية وغيرها نرى تصدر الداهية على المستوى اليمني مواكبًا زملاءه في الإذاعات العربية مستخدمًا صفحاته الشخصية وعلاقاته في إعادة الانطباع وإعادة المستمعين للإذاعة بقوة موهبته وأفكاره في التمثيل الإذاعي المعروف، أنه مبني على إيصال ملامح الشخصية وعمقها عبر الصوت، والصوت وحده، وهنا يبرز أبطال مسلسل الجليلة ولذلك يجنح الممثل نحو التفرد في هذا الجانب كي لا يتماهى ويضيع مع الأصوات الأخرى، ويتوه المستمع” بتداخل الأصوات داخل العمل الواحد.
وهنا تبرز موهبة المخرج والسيناريست الداهية في مهمة الإدارة الإخراجية المتمكن من أدواتها، مع فريقه وشديد الحرص على الأداء المتقن المقنع في مساحة ضيقة الاختيارات في غياب الصورة كما هو الحال في الدراما التلفزيونية.
وهنا، وجب التفريق بين وظيفتي المخرج الإذاعي ومهندس الصوت، ذلك أن قيام مهندس الصوت بأداء مهمة الإخراج خطأ خطير، واستهتار بهذا الفن القائم بذاته، تمامًا مثل أن يوكل لمدير التصوير بمهمة الإخراج التلفزيوني لمجرد أنه يمسك بناصية الصورة والإضاءة.
ويتميز السيناريست محمد الداهية بالاهتمام بما يكتب والاهتمام في الاخراج وللأسف أن نرى الكثير الكتاب للدراما الإذاعية التي يحسبها بعضهم مجرد سرد حوارات لحكاية يستعين مخرجها عادة براو للأحداث والربط بين الحوارات إن داهمه بعض الغموض والالتباس على المستمع في حال تكاثر الشخصيات وازدحام الوقائع.
والحقيقة أن إدارة الممثل مهمة صعبة وحساسة في الدراما الإذاعية، وليست مجرد التصرف في صوت واستغلاله كيفما اتفق في القيام بدور يقتصر على القراءة من الورق أمام الميكروفون.
ونقول لكل فريق مسلسل الجليلة وكل الممثلين والمخرجين في الدراما الإذاعية اليمنية إن آفة الدراما الإذاعية هي الاستسهال، فأغلب مخرجي الإذاعة يكتفون بتجميع الأصوات، ومن ثم تسجيلها في ساعة أو ساعتين، مع الاكتفاء ببروفة أو بروفتين.
ويجب على فريق مسلسل الجليلة التعاون وتنفيذ أفكار المخرج الداهية في الاهتمام وليعلموا الفواصل الموسيقية وحدها لا تحل المشكلة عند كل مستمع، والمونتاج الإذاعي أصعب من المونتاج التلفزيوني أحيانا، ذلك أن من أخطائه الشائعة غياب “الراكور النفسي للشخصية” أي التسلسل المنطقي والزمني للأحداث،
صفوة القول إن الدراما الإذاعية ككل والدراما اليمنية علم فني له تقنياته وأدواته في التمثيل والكتابة والإخراج، وقد أجاد أبطال مسلسل الجليلة في ذلك ثم إن له جمهوره وذواقيه، وسحره مما يجعل الممثلين في مسلسل الجليلة فنانين كبارًا يحترفون التمثيل الإذاعي وحده، ولهم مستقبل كبير خصوصًا في فن الدوبلاج الذي يختفي فيه الممثل بوجهه ويجسد شخصية ممثل آخر أو الكارتون ويتجلى في عوالم وأحاسيس أخرى ومتشعبة حتى ليبدو فنًّا موازيًا ومختلفًا تمامًا عما نتصوره عنه.
كتبت هذا من خلال متابعتي للاذاعات العربية والعالمية والإذاعات المحلية وإشادة السيناريست الداهية ولتحفيز الكتاب اليمنيين في الدراما الإذاعية اليمنية.
وأرجو للكتاب اليمنيين جميعًا كتابة مثمرة ومتألقة تليق بصراع الصوت وتحفظ للدراما الإذاعيةاليمنية بقاءها! .
وبالتوفيق لكل المبدعين من الممثلين والمخرجين ومهندسي الصوت من أبطال مسلسل الجليلة.