Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

“المركز العربي” في بيروت: المجتمع التعددي أمام أسئلة الفلسفة

وكالات:

​في سياق الندوات التي يعقدُها “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، بفرعه البيروتي، أُقيمت، الأربعاء الماضي، ندوةٌ، أدارها الباحث اللبناني خالد زيادة، وحملت عنوان: “الفلسفة وتحدّيات العيش معاً في مجتمع تعدّدي”، وذلك بهدف خَلْق حوار جدلي حول موضوع التعدّدية، خاصة في الظروف التي يشهدها لبنان اليوم، وتنامي الحديث عن الفيدرالية، وغيرها من المسائل السياسية.

“المَعية في عُهدة الفلسفة”، عنوان المُداخلة الأولى التي قدّمها الباحث وليد خوري، إذ بيّن أهمّية تناول هذا الموضوع من قبيل ما تشهده المجتمعات العربية من تصدُّعات، حيث يتحوّل الاختلاف إلى فرصة لاستدامة العنف، بدل أن يكون عكس ذلك. وعليه يُصبح لزاماً أن يتقدّم مفهوم “العيش معاً” على سائر المفاهيم التي ترعى مسألة الاختلاف، وتُمكِّن المكوّنات الاجتماعية من تجاوز تنابُذاتها الأيديولوجية، مُستهدياً في ذلك بقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور “الأخلاقية هي تعبير عن الرغبة بالعيش بخير مع الآخرين، ولأجلهم، برعاية مؤسّسات عادلة، قصدَ تحقيق السعادة للجميع”.

لكن، وحسب المُحاضِر، فإنّ العيش مع الآخَرين يفقد معناه فيما لو بقيت الأنا على تفرُّدها، وبالتالي فإنّ الآخر في حياتك ليس “خياراً”، إنما هو مكوّنٌ جادَت به الهُوية الجَمعية على الطبيعة البشرية. وتابَع مداخلته مُوضّحاً أنّ أصالة الاختلاف مُتأتّية من وجوده المُحايث للأشياء والمعاني، وبذلك يُصبح الحوار حقيقةً كالاختلاف تماماً، فكلاهما يُشكّلان حقيقتَين فلسفيّتين لا تنفصمان. وقد رسّمت الأخلاقية الفلسفية هذا المسار، وهو يستوي بمنزلة الأساس الحاضن للمعيّة الإنسانية. كما لا يكتسب الاعتقاد الأخلاقي قوّة، إذا لم يحمل في ذاته بذُور الكونية، ويتّجه في مقاصديته إلى العُمومية والشمول، وإذا لم تُيسِّر الدولة بِدورها التشريعات والقِيم التي تصون هذه الاعتقادات.

هل يتغيّر الحاضر لمجرّد الدعوة الفلسفية إلى التفاهُم؟

وختم الباحث مداخلته بسؤال: إلى أيّ حدّ تتوعّى المجتمعات العربية – ولبنان تحديداً – هذه الأخلاقية؟ فرغم أنّه على المستوى الخطابي، يُصادفنا كثيرٌ من هذه التشديدات، لكنّ حراراتها سرعان ما تبرد، عند تضارب المصالح بين هذه المكوّنات التي ما زالت تخاف من بعضها، في ظلّ تشبُّعها من ثقافة الاقتداء والتشابُه.

“هل تستطيع الفلسفة أن تُغيِّر المجتمعات الإنسانية، وأن تُساهم في معرفة كيفية العيش معاً؟”، كان هذا عنوان المُداخلة الثانية التي قدّمتها الباحثة مارلين كنعان، والتي انطلقت فيها من كتاب “الخطاب الفلسفي”، الذي صدر مُؤخّراً للمُفكّر الفرنسي ميشال فوكو، وكان قد كتبه في الستينيات. تُنبّه كنعان إلى ما يُميّز هذا الكتاب من جَعْل الفلسفة مشدودةً إلى مسائل اللحظة، ومن بين هذه المسائل: مفهوم التعدّدية.

لكن أمام ما يعجّ به العالَم من خصوصيات مُتعلّقة بالعِرق والإثنية والهوية والدين والثقافة وسوى ذلك، تساءلت الباحثة: هل يَفترض مفهومُ العيش مع الآخَر، تنكُّر المرء لخصوصيته، خاصة أنّ التعاون والتنافُس مع الآخر هُما في أصل الاجتماع الإنساني؟

وحسب الباحثة، فإنّ كانط، وفي إطار حديثه عن الواجب الأخلاقي، تناول مفهوم الغَيرية وضرورة مُعاملة الآخَر/ المُختلِف معاملةً سامية، تتعيّن فيها حرّيتي الذاتية التي تقف عند حدود حرّيته، حتّى وإنْ نظر هذا الآخَر إليّ نظرةَ إدانة تُبطِل حرّيتي، وتُعطِّل كياني، كما عند سارتر، الذي جعله “جحيماً”. عِلماً أن فلاسفة آخرين قالوا بعكس ذلك، أي بإمكانية التفاعُل الإيجابي مع الآخر بعيداً عن النزاعات. وهذا ما شدّد عليه أيضاً الفيلسوف الألماني هابرماس في دعوته إلى التواصُل والانفتاح على الآخرين.

مقولة “العيش معاً” منتعشة فقط على المستوى الخطابي

بعد هذا العرض، انتقلت الباحثة إلى سؤال آخر: كيف يُمكن ترجمة هذه الأفكار واقعياً؟ وهل يتغيّر الحاضر لمجرّد الدعوة الفلسفية إلى التفاهُم؟ وفي سياق سعيها لتقديم إجابة، أكّدت أنه لا يُوجد إجماع حول مهمّة الفلسفة، هذا صحيحٌ، لكنّ موضوعة “العيش معاً” ستبقى المدى الحيوي لها، لأنّ كلّ إشكاليات الفلسفة موسومة بالحضور الدائم للآخرين، فالحبّ، والعار، والسعادة، وسواها، كلّ تلك المشاعر لا أعرفها لو كنت أعيش بمفردي.

كما نظرت المُحاضِرة في أفكار الفيلسوف الألماني كارل ماركس، وتناولت ما نادى به حول انتهاء زمن التنظير الفلسفي، وأنه حان زمن التغيير، مُنبّهةً إلى أن سُبل التغيير التي تنبثق من الواقع قد تُهدّد بدورها التعايُش القائم. وختمت بأنه لمّا كانت الفلسفة تُعلّم الموازنة بين الكلمات، بما هي وسيلة أولى للتعبير والتفكير، فإنّ هذا يُسعفنا أكثر للتمييز بين كلمات مثل الوطن، والأمة، والقومية…

أما الباحثة نايلة أبي نادر، فقدّمت ورقتها الموسومة بـ”العيش معاً على محكّ السؤال”، وفيها تناولت أهمية تأكيد قيمة التحاوُر الإنساني، وإنْ كان الواقع يسود فيه العنف والنزاع. أما في سياق لُبناني، فإنّ مقولة العيش المُشترك قد ظلّت حاضرة في عمليات التفكُّر بكيفية إدارة الاجتماع السياسي في البلاد. ورغم أنّ هناك فيضاً في الكتابات عن هذا الموضوع، بقيت صورة الواقع تقول عكس ذلك، فأين يكمُن النقص؟

تتمثّل أُولى الإجابات عن هذا السؤال، وفقاً للباحثة، بعدم الوقوف النقدي على طريقة فَهْم مقولة التعايُش، التي يجب أن ترتكز على الشفافية والموضوعية، والابتعاد عن تأويل كلّ طرف لمفهوم تقبّل الآخر على نحوٍ ينسجم مع مصالحه وخلفياته الفكرية. فما يُصرِّح به في العلن معظم الزعماء والقادة، لا ينسجم مع مسلكياتهم، أو أحاديثهم المنقولة عن مجالسهم الخاصة. وهذا يُغذّي، بشكل أو بآخر، المواقف والآراء المتطرّفة، ويعزل الاعتدال.

لزوم الابتعاد عن التأويلات المصلحية لمفهوم تقبّل الآخر

وتتتبّع الباحثة الكمّ الكبير من النصوص الصادرة عن الأُمم المتّحدة، التي تُنادي بحماية حقوق الإنسان بشتّى الوسائل المُتاحَة، مع ذلك، فإنّ النزاعات بين البشر ما زالت تستفحل، وتطبع صورة ما نراه يومياً، وهنا نُلاحظ الهوّة الفاصلة بين النص والتطبيق، حيث يكفي أن نفتح شاشة التلفاز، حتى تنفجر بوجهنا مشهديات التقاتُل. في المقابل تُخصّص هذه المنظمة من الأيام ما تُخصّص للاحتفال بـ”السلام”، و”التسامُح”، و”حقوق الإنسان”، و”التقارُب بين الأديان”، و”القضاء على التمييز العنصري”. وهذا يجعلنا اليوم لا نتوخّى الكثير ممّا يصدر عنها من بيانات ومؤتمرات. وختمت الباحثة مداخلتها بمقولة فيلسوف الأنوار الفرنسي مونتسكيو “يبدأ انهيار الحكومات بانهيار المبادئ التي أُسِّست عليها”.

“الفلسفة والعيش معاً: المعية في عالم مشترك”، عنوان الورقة الختامية في الندوة، والتي قدّمها الباحث عفيف عثمان، الذي بدأ حديثه بمقولة كانط “ولمّا كان سطحُ الأرض دائرياً، فقد استحال على الناس أن ينتشروا انتشاراً لا حدّ له، فكان لا بدّ أن يلتقوا ويُجاوروا بعضهم بعضاً، فالأصل أنّ الأرض مشاعٌ بينهم”. أمّا سياسياً فأشار الباحث إلى حدث راهن مُتمثّل في الغزو الروسي لأوكرانيا، والاختلال الناجم عنه في الوضعية السياسية العالمية.

ثم انتقل إلى بَسْط القول في ما نادت به الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت، في كتابها “الوضع البشري”، حول مفهوم الحياة العمَلية، حيث يكون الفعل هو أساس العالَم، ويتجاوز عدم التسامُح واللامبالاة، من خلال الاهتمام والعناية بالآخرين، والمحكّ لكلّ هذه القيم والأفكار هو الوسط الاجتماعي، أولاً وأخيراً. وعلى المستوى العربي، يخطر، حسب عثمان، اسمُ المفكّر التونسي فتحي التريكي، الذي قدّم مقاربته الخاصة عن التعدّدية الفلسفية، وعن مصطلح “التثاقُف”، متطلّعاً إلى الكشف من خلال هذا المصطلح عن التوافُق بين التنوّع الثقافي وتأثيراته في العيش معاً، رابطاً إيّاه بحالة كونية مُؤسِّسة لتواصلية الإنسان، لدرجة اعتبر فيها أنّ التثاقف هو ما يجعل العالَم مُمكناً، وذلك من خلال “تضافر الثقافات”.

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share