بدأ إنشاء شركات المساهمة العامة في اليمن منذ بداية الستينات من القرن العشرين، حيث تم تأسيس شركات كبرى في تلك الفترة هي البنك اليمني للانشاء والتعمير الذي تأسس عام 1962م وشركة التبغ والكبريت الوطنية التي تأسست عام 1963م، وقد اخذ الجمهور اليمني يكتتب في أسهم هذه الشركات والتعامل بها منذ ذلك التاريخ. وفي ظل غياب سوق منظم لتداول الأوراق المالية فقد كان التعامل بها يتم من خلال مكاتب غير متخصصة أو ما يسمى بالسوق غير المنظم. ومع تزايد أعداد شركات المساهمة العامة وتوسع الحكومة في إصدار أدوات الدين العام برزت الحاجة إلى إنشاء سوق منظم للاوراق المالية يقوم بدورين رئيسيين هامين دور الهيئة الرقابية على سوق رأس المال ودور البورصة التقليدية للأوراق المالية بهدف تنمية المدخرات الوطنية عن طريق الاستثمار في الأوراق المالية وتوجيه المدخرات لخدمة الاقتصاد الوطني إضافة إلى تنظيم ومراقبة إصدار الأوراق المالية والتعامل بها بطريقة تكفل سلامة هذا التعامل وسهولته وسرعته.
والأوراق المالية هي صكوك الأسهم والسندات التي تصدرها الهيئات العامة وشركات المساهمة والمصارف وغيرها، وهي صكوك طويلة الأجل تصدر لمدة حياة الشركة فيما يتعلق بالأسهم أو لمدة عدد من السنوات فيما يتعلق بالسندات، بحيث تعطي للشخص الذي يملكها حقاً لدى الجهات التي تصدرها وتتميز بأنّ لها قيمة ماليّة وسوقيّة قابلة للزيادة أو النقصان تبعاً لوضع الشركة المصدرة، فمن الممكن أن تكون عاليّة القيمة في أول اليوم وتنهار في ساعات المساء، لهذا السبب يتم إذاعة النشرة الماليّة بعد إغلاق السوق الماليّة العالميّة(البورصة). وتعد الاسهم أهم صور الأوراق المالية تعد دليل على أن حاملَها له جزءٌ في الشركة المصدّرة لذلك السهم، والسندات التي عادةً ما يتمّ إصدارها لتكون دليلاً على مديونيّة الشركة المصدرة والتي قد تكون سندات نقدية تصدر مقابل مبلغ نقدي يقدمه مالك السند أو سندات عينية تصدر مقابل أملاك عينيّة تقدَّم للشركة المصدرة كالأراضي والمباني، وتتسم الأوراق المالية بالمرونة والقابلية للتداول بالطرق التجاريّة إذ ينقل المستثمر أمواله من مشروعات قائمة ويشتري أسهم في مؤسسات أخرى في طور الانجاز أو قائمة تسعى إلى التوسيع. ويجتمع المتعاملون بالاوراق المالية عادةً في فضاء مادي أو افتراضي يدعى سوق الأوراق الماليّة بهدف تداول ما لديهم من أوراق ماليّة، وسوق الأوراق المالية عبارة عن نظام يتم بموجبه الجمع بين البائعين والمشترين لنوع معين من الأوراق المالية وتمكن المشترين من بيع وشراء عدد من الأسهم والسندات داخل البورصة عن طريق السماسرة أو الشركات العاملة في هذا المجال. ويتكوّن سوق الأوراق المالية من سوق إصدار الأوراق المالية”السوق الأولية” التي يتم في نطاقها التعامل مع الأوراق المالية عند إصدارها لأول مرة عن طريق ما يسمى بالاكتتاب سواء تعلق ذلك بإصدار الأسهم عند تأسيس الشركات الجديدة أو عند زيادة رأسمالها بعد التأسيس أو بإصدار السندات عند الحاجة إلى قروض طويلة الأجل، وسوق تداول الأوراق المالية”السوق الثانوية” التي يتم في نطاقها التعامل والتداول بالأوراق المالية التي سبق إصدارها في السوق الأولية بالبيع والشراء بين حاملها وأي مستثمر آخر. وتتوقف كفاءة سوق الأوراق الماليّة على كبر السوق وعمقه فكلما كان عددُ الشركات المدرجة في السوق أكثر زادَ عمقه، وعلى والقيمة السوقية للأسهم فكلما كانت القيمة السوقيّة للأسهم المتدوالة أكبر كان السوقُ أكبر، وعلى السيولة فكلما كان السوق أكبر كانت السيولة أضخم.
وفي ظل العولمة ونتائجها التي حدثت على صعيد العالم والتقدم الكبير في مجال ثورة الاتصالات والمعلومات وانهيار الحواجز بين دول العالم إضافة لالتزام العديد من الدول بتطبيق المعايير العالمية في مختلف المجالات، فقد أدى ذلك إلى بروز تحديات كبيرة أمام دول العالم وخاصةً النامية منها لإعادة تقييم وترتيب أوضاعها ضمن هذه المعطيات والظروف الجديدة، وقد حدا ذلك بأغلب الدول إلى تطبيق برامج مكثفة لإعادة هيكلة اقتصادياتها وإجراء إصلاحات تشريعية وهيكلية لمواكبة هذه التغيرات واستيعاب التطورات التي حدثت على صعيد العالم، ومن ذلك إصدار العديد من التشريعات الاقتصادية وتنفيذ العديد من الإجراءات والقرارات للنهوض بالاقتصاد وقد كان من أهم التشريعات الاقتصادية إصدار قانون الأوراق المالية بموجبه تم إعادة هيكلة السوق وأنشئت هيئة الأوراق المالية لتتولى الدور التنظيمي والرقابي في السوق كما تم إنشاء بورصة لتداول الأوراق المالية ومركز إيداع الأوراق المالية الذي أوكل إليه مهمة تسجيل الأوراق المالية ونقل ملكيتها وإجراء التقاضي والتسوية لها، فقد دعت خطط التنمية المتعاقبة في الكثير من الدول إلى انشاء سوق للأوراق المالية بموجب قانون ينظم أحكامه، ومن ذلك القانون الاردني رقم (31) لسنة 1976م بشأن إنشاء سوق عمان للاوراق المالية، والقانون المصري رقم (95) لسنة 1992م بشأن سوق رأس المال، والقانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2000م بشأن إنشاء هيئة وسوق الإمارات للأوراق المالية، والقانون السوري رقم (22) لعام2005م بشأن الأوراق والأسواق المالية، والقانون (33) لعام 2005م بشأن انشاء هيئة قطر للأسواق المالية، والمرسوم السلطاني العماني رقم (80/ 98) بشأن إصدار قانون سوق رأس المال، والمرسوم الملكي السعودي رقم ( 30/ 1424ه) بشأن سوق الأوراق المالية، وغيرها من قوانين الدول الأخرى.
ومع تزايد أعداد شركات المساهمة العامة في اليمن وتوسع الحكومة في إصدار أدوات الدين العام برزت الحاجة إلى إصدار قانون لإنشاء وتنظيم سوق الأوراق المالية بهدف إحداث نقلة نوعية هامة في تاريخ سوق رأس المال الوطني وتحقق خطط التنمية الاقتصادية وتنمية المدخرات الوطنية عن طريق الاستثمار في الأوراق المالية وتوجيه المدخرات لخدمة الاقتصاد الوطني إضافة إلى تنظيم ومراقبة إصدار الأوراق المالية والتعامل بها بطريقة تكفل سلامة هذا التعامل وسهولته وسرعته. وذلك تفعيلاً لمبدأ سيادة القانون فإنه لابد أن تُعبر المنظومة القانونية عن المجتمع الذي تحكم حركته وتنظم نشاط أفراده وعمل مؤسساته وأن تترجم آماله إلى رؤىً واضحة وأن ترتقي بتطلعاته إلى واقع ملموس، وإنطلاقاً من أهمية أسواق الأوراق المالية في تشجيع الادخار بفتح مجالات واسعة أمام صغار المدخرين وتوجيه الادخار نحو الاستثمارات الأكثر كفاءة وإنتاجية مما يولد عائد ملائم للمستثمر يعود بالنفع العام على مستوى الاقتصاد القومي، وفي تشجيع أصحاب الأموال في الاستثمار والدخول في هذه الأسواق بما يساعد السياسة النقدية والمالية والاقتصادية على تحقيق أهدافها في العملة الوطنية والتنمية الاقتصادية، وفي توفير وتقديم المال للأنشطة المختلفة من خلال الدور الأساسي لكل مؤسستها المالية في تجميع المدخرات وتوجيهها إلى مجالات الاستثمار المختلفة، وفي التنبؤ بالمستقبل وتوضيح الحالة الاقتصادية للدولة.
مع ضرورة مراعاة تمتع سوق الأوراق المالية بهيكل مؤسسي وبنية تنظيمية وتشريعية وفنية متطورة تستند إلى أفضل الممارسات والمعايير الدولية المنظمة للفعاليات المختلفة في السوق، وتتمثل أبرز هذه العناصر بتأسيس هيئة الأوراق المالية كمؤسسة رسمية تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري ترتبط مباشرة برئيس الوزراء وبإنشائها تم فصل الدور الرقابي عن الدور التنفيذي، وشملت مهام الهيئة الرئيسية وفقاً للقانون التنظيم والرقابة على سوق الأوراق المالية حمايةً للمستثمرين فيها وتطوير سوق رأس المال الوطني وفق المعايير الدولية والمساهمة في حمايته من المخاطر ليستمر كحاضنة آمنة للاستثمار وجاذباً للمستثمرين من داخل وخارج البلاد. وتتمثل أبرز هذه العناصر أيضا بوجود نظام إفصاح وشفافية يوفر المعلومات الضرورية للمستثمرين ويعمل على تنظيم الخدمات المالية الضروية للمستثمرين وإصدار الأوراق المالية وحوكمة الشركات وصناديق الاستثمار المشترك والتعامل في صكوك التمويل الإسلامي وإيجاد الأطر والآليات الخاصة بإدارة المخاطر مثل صندوق حماية المستثمرين وصندوق ضمان التسوية ومعايير الملاءة المالية إضافة إلى الأنظمة الإلكترونية اللازمة لعمل مؤسسات السوق وتطبيق المعايير الدولية التي من أهمها مبادىء المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية IOSCO” والمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية IFRS’ ومعايير التدقيق الدولية IAS” ومبادىء حوكمة الشركات الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الدولية OECD” ومبادىء مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالي FATF”.
ويستلزم لتكوين الأسواق المالية زيادة عدد وكفاءة المؤسسات المالية في الدولة لما من شأنه أن يؤدي إلى تطوير الادخار وسياسة التمويل في المشروعات لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية على وجه الخصوص في الدول النامية، ويستلزم أيضا العمل على تحويل المدخرات المجمعة إلى استثمارات بحيث يعتبر سوق الأوراق المالية سوق استثمار أموال الأفراد والمؤسسات والبنوك في شراء الأوراق التي تمثل حصص في رأس المال الخاص بالمؤسسات الصناعية أو التجارية أو قروض تتمثل في السندات، كما يستلزم العمل على إنشاء بورصة الأوراق المالية التي تعد من أجهزة الادخار والاستثمار للدولة ذات الاقتصاد الحر أو الاقتصاد المختلط ويلعب كل من القطاع العام والخاص دورا في هذا الشأن فالبورصات هي أسواق لاستثمار أموال الأفراد والبنوك التجارية وشركات التأمين وصناديق الادخار، ويستلزم كذلك الاهتمام بوسائل الشفافية ونشر الوعي الادخاري لدي الأفراد وتوفير المعلومات الكافية عن قطاعات الأعمال المختلفة ونشاطها، مع ضرورة توفير الاستقرار السياسي الذي يعتبر من أهم العوامل في جلب رؤوس الأموال وتحولها من الادخارات الخاصة إلى الاستثمار المتوسط والطويل الأجل وأن كان هذا العامل مهما للمستثمر العادي المقيم في دولته فهو أكثر أهمية بالنسبة للمستثمر الأجنبي لان له الحق في تحويل صافي أرباحه من الداخل إلى الخارج كما تؤمن له الدولة انتقال رؤؤس أمواله إلى وطنه بعد نهاية كل استثمار ويعتبر استقرار العملة في الدولة والسيطرة على التضخم من العوامل المشجعة على تنقل رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى. ويتطلب لنجاح سوق الأوراق المالية عوامل عده إلى جانب توافر الشروط الأساسية سالفة الذكر، أهمها خلق جو من الثقة بين المتعاملين بالأوراق المالية المتداولة بالسوق المالي من خلال العمل على وضع نظم كفيلة يتم التعامل بها وتحديد الشروط الواجب توفرها في المتعاملين لضمان حماية وسلامة المستثمرين في السوق المالي وتنمية الوعي الاستثماري، بالإضافة إلى توفير الخبرات والكفاءات القادرة على إدارة الأسواق المالية.
والله ولي الهداية والتوفيق،،،،