أنس القاضي: صرح قائد القوات البحرية للجيش الإيراني، “الأدميرال شهرام إيراني”(3 مايو الماضي)، عن قرب تشكيل تحالف بحري بين إيران ودول الخليج وجميع دول شمال المحيط الهندي.
واقعيا لا يزال التحالف فكرة وهي فكرة ممكنة تؤيدها الشروط الموضوعية، والحديث عن التحالف من مؤشرات التعدد القطبي عالمياً، وعملية التشكل الجديدة في العالم والمنطقة، إلا أن الفكرة لم تتحول بعد واقعاًـ مما لا شك فيه سوف تضغط كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال الصهيونية نحو عرقلة هذا المسار، كما أن سنوات الحرب الباردة بين إيران والسعودية تجعل من الصعب الانتقال من موقف الخصم الأول إلى الحليف وتجاوز الهواجس الأمنية في وقت محدود، حتى وإن كانت السفارة الايرانية قد فتحت في الرياض.
قد لا تجد دول الخليج خيارات أكثر، مع وضوح الانحسار الأمريكي من المنطقة، وصعود إيران كقوة اقليمية من غير الحكمة استعدائها، ومن غير الواقعية تجاهل كونها إحدى دول الخليج (الفارسي) وجار لبقية دول الخليج.
وبتعبير الأدميرال “إيراني” فدول المنطقة توصلت إلى نتيجة مفادها أنه إذا أريد الحفاظ على الأمن في المنطقة، فيجب أن يتم ذلك من خلال التآزر والتعاون المتبادل، وبشكل مشترك مع إيران.
جاءت المبادرة في سياق التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، التي بدأت بالاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية – مارس الماضي-، فيما كان أخر حدث يدعم هذا التوجه إعلان الامارات انسحابها من التحالف العسكري البحري الأمريكي الذي ينشط في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي “قوة المهام المشتركة” التي تشكلت مطلع العام 2022م.
بحسب مصدر كويتي مصدر فالمشروع قد طرح سابقاً، لكنه كان متعذراً بفعل الخلافات، وأعيد طرحه بعد توقيع الاتفاق السعودي ـ الإيراني برعاية الصين.
وفق رواية هذا المصدر فإن التحالف الذي أعلن عنه الإيراني متسرعاً، ليس تحالفاً عسكرياً بالمعنى الدقيق للتحالف، بل أقرب إلى غرفة عمليات مشتركة وآلية للتنسيق والتعاون لتشارك المعلومات الأمنية والعسكرية وتنسيق التحركات فيما بينها.
ومن المحتمل أن يحمل وزير الخارجية السعوي إلى طهران في زيارة قادمة وجهة نظر القيادة السعودية حول إنشاء هذه الآلية، على افتراض أن هناك موافقة مبدئية.
أول ظهور لهذه الفكرة جاء في “مبادرة الأمن الجماعية الروسية لمنطقة الخليج”، للعام 2019م على أن تتولى دول المنطقة مهمة حماية المنطقة وخروج القوات الأجنبية تدريجياً.
لاحقاً وفي ذات العام استلهمت إيران المبادرة الروسية وعدلت فيها، وقدمتها كمبادرة إيرانية، ففي سبتمبر 2019م عرض الرئيس حسن روحاني على الأمم المتحدة خطة لأمن منطقة الخليج حملت اسم “مبادرة هرمز للسلام”.
حتى الآن أيدت الصين الفكرة، ويُفترض أن السعودية موافقة مع تحفظ وأن الإمارات التي خرجت من التحالف الأمريكي كذلك، فيما ابدى الإسرائيليون قلقاً من ذلك، بينما اعتبره الأمريكيون غير منطقي.
التحالف البحري الايراني الخليجي
صرح قائد القوات البحرية للجيش الإيراني، “الأدميرال شهرام إيراني”(3 مايو الماضي)، عن قرب تشكيل تحالف بحري بين إيران وجميع دول شمال المحيط الهندي تقريباً، وأفترض أن ذلك مقدمة لتشكيل تحالفات إقليمية ودولية جديدة، وباعتقاده ستشهد قريبا خلو منطقتنا من أي قوة غير مبرر وجودها، وستكون شعوب المنطقة هي المسيطرة في مجالها الأمني باستخدام جنودها .
وكان الأدميرال إيراني قبل شهر قد أفاد بأن “دول المنطقة لديها الإمكانات والقدرات اللازمة التي تمكنها من الاستغناء عن باقي القوى”.
استخدام مفهوم التحالف له مغزى سياسي فالتحالفات تقوم بين دول تربطها مصالح أو تهديدات مشتركة، -إلا أن المسمى لازال من طرف واحد- وكون دول الخليج باتت ترى أن إيران حليف -وفق التصريح الإيراني- فمعنى ذلك بشكل أو أخر التراجع عن توصيف إيران كدولة معادية، وبالتالي نسف السردية الصهيونية لتشكيل “ناتو عربي” على أساس من درء الأخطار الإيرانية المفترضة .
المبرر للتحالف وفق شهرام إيراني أن دول المنطقة توصلت إلى نتيجة مفادها أنه إذا أريد الحفاظ على الأمن في المنطقة، فيجب أن يتم ذلك من خلال التآزر والتعاون المتبادل، وأشار إلى أن “كل دول منطقة شمال المحيط الهندي تقريباً باتت تعتقد أنه ينبغي لها الوقوف إلى جانب إيران وتحقيق الأمن بشكل مشترك”.
الصيغة المطروحة ليست جديدةً فالتحالفات العسكرية والأمنية والاقتصادية المشتركة الاقليمية والتي تحضر فيها الفواعل الدولية مثلت حلاً لأزمات إقليمية معينة تقع دولها ضمن أكثر من معسكر عالمي، منها على سبيل المثال تحالف رابطة جنوب آسيا ما يسمى ” رابطة الآسيان”، هو اتحاد سياسي واقتصادي بين 10 دول أعضاء في جنوب شرق آسيا، بهدف تعزيز التعاون الحكومي الدولي وتسهيل التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري والتعليمي والاجتماعي والثقافي بين أعضائه ودول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتي تتألف من :إندونيسيا، ماليزيا، الفلبين، سنغافورة، تايلند، بروناي، فيتنام، لاوس، بورما، كمبوديا، وإلى جانب الدول الأساسية، تضم عدداً من الفاعلين الإقليميين والدوليين في منطقة جنوب شرقي آسيا، عشرة منها ضمن صيغة “شركاء حوار” (استراليا، كندا، الصين، الهند، اليابان، نيوزيلندا، كوريا الجنوبية، روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي)، وسبعة آخرين كأعضاء مراقبين (بابوا نيو غينيا، كوريا الشمالية، منغوليا، باكستان، تيمور الشرقية، بنجلادش، وسريلانكا).
مصدر كويتي رفيع سرب لصحيفة الجريدة الكويتية بعض المعلومات الهامة عن هذا التحالف، فهو يشير إلى أن المشروع قد طرح سابقاً، لكنه كان متعذراً بفعل الخلافات وأعيد طرحه بعد توقيع الاتفاق السعودي ـ الإيراني في مارس الماضي برعاية الصين.
وفق رواية هذا المصدر فإن التحالف الذي أعلن عنه الإيراني متسرعاُ، ليس تحالفاً عسكرياً بالمعنى الدقيق للتحالف، بل أقرب إلى غرفة عمليات مشتركة وآلية للتعاون لتشارك المعلومات الأمنية والعسكرية فيما بينها بما في ذلك التنسيق حول أي تحركات عسكرية، وكذلك التواصل بين الدول الأعضاء حول مواضيع مثل مكافحة التهريب والإرهاب، وملاحقة المطلوبين من جانب الأجهزة الأمنية للدول الأعضاء وطلب تسليمهم إليها.
كشفت الصحيفة أن السعودية أصرت خلال الاتصالات على ضم مصر والأردن وباكستان إلى التحالف، وبحسب المصدر فالسعودية ابدت موافقتها خلال لقاء وزير الخارجية الإيراني ونظيره السعودي في جنوب إفريقيا على هامش الاجتماع الوزاري لأصدقاء مجموعة بريكس، ومن المحتمل ان يحمل وزير الخارجية السعودي إلى طهران في زيارة قادمة وجهة نظر القيادة السعودية حول إنشاء هذه الآلية.
السياق التاريخي
جاءت المبادرة في سياق التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، التي بدأت بالاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية، فيما كان آخر حدث يؤيد هذا التوجه إعلان دولة الإمارات انسحابها من التحالف العسكري البحري الأمريكي الذي ينشط في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي “قوة المهام المشتركة” التي تشكلت مطلع العام 2022م.
فكرة التحالف
أول ظهور لهذه الفكرة جاء في مبادرة الأمن الجماعية الروسية لمنطقة الخليج، في 23 يوليو/ تموز 2019م وجوهرها انشاء نظام أمني اقليمي في الخليج يقوم على تحسين شروط الاستقرار والأمن، وحل النزاعات، والتعامل مع مرحلة ما بعد الأزمات، وأن تتولى دول المنطقة مهمة تشكيل تحالف أمني يقوم بمهام حماية الملاحة البحرية ومكافحة الإرهاب، يجري معه انسحاب تدريجي لكل القوات العسكرية المرابطة في المنطقة من غير دولها، وللشروع في بناء هذا النظام اقترحت المبادرة الروسية تدشين مشاورات ثنائية ومتعددة الأطراف، تشمل القوى الدولية والإقليمية المعنية، ومجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي وحددت المبادرة الدول الأطراف المعنية في: روسيا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والهند كأطراف أساسية.
لاحقاً وفي ذات العام استلهمت إيران المبادرة الروسية وعدلت فيها، وقدمتها كمبادرة إيرانية، آنذاك ففي سبتمبر 2019 عرض الرئيس حسن روحاني على الأمم المتحدة خطة لأمن منطقة الخليج حملت اسم “مبادرة هرمز للسلام” ترتكز على التعاون الجماعي بين دول الإقليم في تأمين إمدادات الطاقة وحرية الملاحة الدولية بعيدا عن التدخلات الأجنبية.
المواقف الدولية
قال المتحدث باسم الخارجية الصينية، إن “بكين ترحب بتشكيل تحالف بحري مشترك بحضور إيران والسعودية والإمارات وبعض الأطراف الأخرى”، مؤكدا أن “مثل هذا التحالف سيعزز الأمن والاستقرار في المنطقة”.
ونقل موقع “بريكينغ ديفينس” المتخصص في الأخبار العسكرية، عن المتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس والقوات البحرية المشتركة تيم هوكينز، قوله إن “التحالف الذي أعلنت إيران اعتزامها تشكيله مع السعودية ودول خليجية أخرى أمر غير منطقي ويتحدى العقل”.
من جانبها قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية تعليقاً على إعلان قائد البحرية الإيرانية بشأن قرب تشكيل تحالف بحري يضم دول الخليج: “جاء إعلان إيران على خلفية محاولاتها إعادة علاقاتها مع دول الخليج، بعد أن بدا في السنوات الأخيرة أنها تقترب أكثر فأكثر من إسرائيل”.
وأكدت الصحيفة العبرية أن “التقارب بين إيران والسعودية يشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل والولايات المتحدة، لا سيما في ظل اندفاع طهران غير المسبوق نحو الطاقة النووية، فقبل الاتفاق على استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، انتشرت تقارير تفيد بأن المملكة العربية السعودية كانت أقرب إلى توقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل وهي خطوة تاريخية من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على قوى التوازن في الشرق الأوسط وتخلق جبهة إسرائيلية عربية موحدة أكثر بكثير ضد إيران”.
فيما كشف مصدر رفيع المستوى في المجلس الأعلى للأمن القومي-لصحيفة الجريدة الكويتية- أن الكويت تلقت دعوة للانضمام إلى التحالف البحري الذي أعلن قائد البحرية الإيرانية شهرام إيراني ، مضيفاً أن الكويت لم ترد على الدعوة في حين بعثت الدول الأخرى ردودها خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وأكد المصدر، لـ “الجريدة”، أن كل دول المنطقة مدعوة للمشاركة في هذا التحالف، مضيفاً أن الكويت لم تجب على الدعوة حتى الآن، لكن طهران لا تستبعد انضمامها مستقبلاً.
وأضاف أن سلطنة عُمان ابلغت طهران أنها لا تدخل في أي تحالفات عسكرية بناء على سياستها الحيادية وبالتالي هي غير معنية بالانضمام، في حين تنتظر إيران ردوداً كذلك من مصر والأردن.
سبأ