يتضمن ديوان الشاعرة التونسية الراحلة فاطمة بن فضيلة، الذي أصدرته عن دار «وشمة» قبيل وفاتها بعدة أشهر في تونس متأثرة بمرض السرطان، 45 قصيدة استلهمت خلالها نثار يومياتها أثناء العلاج الكيماوي، وسلطت الضوء عليها مقتنصة لحظاتها التي قضتها في الحجر الصحي، وتفاصيل رحلة كفاحها من أجل التغلب على آثاره.
جاءت النصوص في معظمها قصيرة تقطر إنسانية ورقة وحباً وحنيناً رغم ما تفيض به من آلام ممضة وعذابات كانت الشاعرة ترصدها كل يوم، وتراقب تفاصيلها في نعوش قريناتها الراحلات اللواتي راحت تحكى لهن وعنهن وتداعبهن بما بينهن من ذكريات وتحملهن السلام لمن سافر بعيداً إلى الضفة الأخرى من الحياة.
تتوزع فضاءات النصوص بين المقاهي والمنزل وشاطئ البحر، فضلاً عن عنابر المستشفى، كما تتنوع المفردات التي تستعيرها الشاعرة من تفاصيل حالات المرض اللعين وأدويته وجلسات العلاج، لكنها رغم ذلك لا تخلو من مسحة سخرية تنثرها بن فضيلة في ثنايا قصائدها رغبة منها في التغلب لحظات الألم وما يجريه السرطان من تحولات على جسدها.
تقول في قصيدة «بياع النّهود»:
«باروكاتٌ» للبيعِ،
نهودٌ ناعمة
«كريمات» للأيادي المتشقّقةِ،
مراهمُ للأظافر المتساقطةِ،
حمّالاتٌ بعينٍّ واحدة.
عند باب المشفى،
تعبر النساء صامتات
يدسسن أياديهنّ في عربة النّهود
ويتهامسن:
– هذا أسمر نافر
– انظري حلمته منتصبة
– هذا ناعم الملمس
– هذا ضخم لا يناسبني
– أووه هذا صغير جدّا
لمراهقة لم تبلغ العشرين…
يصرخ الرّجل الخمسينيّ
بصوته الجرس:
نهود حقيقيّة لنساء جميلات،
هذا ما زال طازجًا،
رماه البحر أمس
على الميناء القديم
وهذا لصبيّة صغيرة
ماتت اختناقًا وهي تحاول العبور
في سفينة بشراع يتيم،
وهذا لطالبة انتحرت
في المسكن الجامعي،
هيّا اقتربن، نهود أفريقية متوثبة
نهود بحَلمات ناعسة
من آسيا الصفراء،
هيّا اقتربن…
هذا لامرأة فجّرت نفسها
في الشارع الكبير
أفسدته الشظايا قليلًا
قد يصلح لجسد مترهّل.
يدفع الرّجل الخمسينيّ،
بيّاعُ النّهود عربتَه
من علوّ هضبةِ المشفى،
وهو يهمس بين أسنانه
«أو للقطط…».
وفي النصوص تستدعي الشاعرة ذكرياتها التي كانت، وتؤنسن ما لديها من حاجيات، تحكي عن شعرها ومشابكه التي تركتها تنام في الدرج، تقول في قصيدة «مشابك شعري»:
مشابكُ شعري الملوّنة
تنظر إلى أناملي المرتبكة
ولا تفهم لماذا أتركها تنام في الدُّرْجِ
طول هذا الوقت.
رأسي جبلٌ اقتلعوا أشجاره بكلّ وحشيّة،
قصائدي الصّغيرة، قطيع بعد الجزّ،
تركض في كل الاتجاهات
ولا تفهم شيئًا.
شعري الذي يحمل طعم أناملك
ورائحة عطرك
اقتُلع في غارة ليليّة وظلت خصلاته السوداء
قتيلة على أرض بلا معركة.
بدأت فاطمة بن فضيلة مشوارها مع الشعر في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، ولها 5 دواوين شعرية، هي «لماذا يخيفك عريي» و«أرض الفطام»، و«من ثقب الروح أفيض» و«قصب السكر» الذي ترجمته الشاعرة المغربية ليلى ناسيمي للغة الفرنسية، وأخيراً «حمالة صدر بعين واحدة».