نجم الآنسي
أكتب أقل مما استطيع في الأونة الأخيرة، وأدخن اكثر مما ينبغي وأنا الذي كنتُ أكره التدخين، بل وأصبحتُ رجل صعب المزاج أشرب الماء بكمياتٍ قليلة، وأضع السماعات في كلتا أُذناي بـكثرةٍ تماماً وخلافاً لما نصحني طبيب المخ والأعصاب ..
فـ عندما أنظر لنفسي في المرآة أرى وكأن التجاعيد بدأت تشق دروبها في وجهي، وبدأتُ بالذبول والاصفرار، وبدأ شعري يشيبُ وبشدة في الأونة الأخيرة، لدرجة أنني أشعر بأني تجاوزتُ المئة عام، وأبدا بمراوغة نفسي وأقول: بأنها مرآتي هي من بدأت تشيخ، اظنني لازلتُ في العشرينات من عمري، هذا الشيبُ والتجاعيد دآخل المرآة وليس بي ..
فتأتِ علي أحيان يرنُ فيها هاتفي المحمول أكثر من مرة، فلا أرد على أي مكالمة، لأن القلب جف جفافهُ من كل من حولهُ، فلم يعد ينتظر خيراً من أحد، فـ لا أحد يُدرك ماهي حالتي ولا الأمر قابل للشرح ..
أنها مأساة الذي يركض بكامل لهفته وشغفه بإتجاه الأشياء ثم يعود منها بخيبة، فـ عندما أمدُ يدي الى قلبي لأتحسسه لا أسمع شيء سوا صوت طقطقة خشب يابس ( قلبي، شجرةٌ وفأسٌ وبابٌ وتابوتٌ مهترئ)
فوالله لو رأى أحداٌ مافي داخلي لذُهل، فـ لا يدري كم خريفًا مر على قلبي وما زال يزهر ..
واحياناً أشعر وكأنني ولدتُ منذُ بضع دقائق، وأن الا عوام التي مضت كانت مسير صرخةٍ وصداها كان في وادٍ ضيق لا أكثر، تماماً كما في الأفلام والبوسترات الدعائية ..
وأحياناً أرى نفسي أقفُ في منتصف تقاطع طرقٍٍ في شارع مكتظ بالمارة، وأنا رجلٌ وحيدٌ ، رافع الرأس يضع يديه في جيوب معطفه الشتوي ثابتاً في مكانه وكأنهُ إمتدادٌ لعامود الاشارة بينما يتحرك الناس من حوله مثل أسرابٍ من النمل النشيط ..
لطالما كنتُ أبدو وكأنني أستطيع أن أحمل العالم كله على كتفي، وها أنا بالكاد أحمل نفسي ..
وأقول في نفسي: ما كان علي الإستسلام لهذا الحزن، كان علي أن أتوقف باكراً عن تعاطي الحزن كمخدر عامٍ وقشةٍ صالحةٍ للنجاة في كل وقت ..
ما كان علي أن استسلم قبل عمري الذي مضى، قبل ان يطلق علي أبي هذا الاسم الامع جداً ..
ولكن وكل مافي الأمر أني أُصبت بالوعي فجأة دفعة واحدة، بينما كان ينبغي أن ينمو فيني تدريجيًا حتى لا أضطر ان أحمل هذه الفجوة بداخلي ..
أجيد التظاهر بأنني بأفضل حال وانا اموت من الداخل، أتقبل شعوري بالوحدة، عندما استيقظ أساند نفسي بنفسي عندما اشعر بالحزن لا أجد شخص بجواري فهذا يعني أنني لا أملك صديق سوى نفسي ..
ثم أستوعب اني إستهلكتُ نفسي أكثر من اللازم في مسارات أمشي إليها لكنها لا تمشي إلي، ولا أحد يستطيع رؤية الأمر من زاويتي، وأن يشعر مثلما اشعر لا أحد، لدرجة أصبحتُ أتمنى أن أسكن عالمًا آخر، عالمًا بعيد جدًا حيث لا بشر فيه ..
فوالله لا أرغب بشيء في حياتي سوى أن تحظى روحي المتعبة بالطمأنينة فقط.