تعتبر الحرب من العوامل الرئيسة التي تسهم في الإصابات الخطيرة، والاضطرابات النفسية. ويعتبر الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق التي تشهد نزاعات في العالم اليوم.
توجد الكثير من الحالات التي تعاني من إصابات متنوعة، نتيجة للحروب الأخيرة، وقد تفاقمت بسبب نقص الغذاء ، والماء، والنزوح، وكذلك الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية- لاسيما – الخدمات الصحية، بالإضافة
إلى الآثار النفسية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، واضطرابات القلق ، وهذا النمط المرضي آخذ في الارتفاع ، وستصبح الحالات المصابة به أكثر وضوحًا في السنوات القادمة.
ومع ذلك، لم يتم عمل الكثير لدمج طب النزاعات كجزء من التعليم الطبي. وهذا ما يدفعنا هنا إلى أن ندعو إلى اتخاذ إجراءات فاعلة للنهوض بالتعليم الطبي في المناطق التي مزقتها الحرب، ودمج “طب النزاعات” في المناهج الطبية فى اليمن.
الإصابات المرتبطة بالنزاع:
الإصابات المتعلقة بالنزاع متنوعة ومعقدة؛ ويمكن تصنيف الأمراض الناتجة عن الحرب إلى : أمراض مباشرة وأمراض غير مباشرة. والأمراض المباشرة تشمل ضحايا الانفجارات، والحروق الحادة، والمصابين بأمراض مزمنة مثل: اضطراب مابعد الصدمة.
وأمراض غير مباشرة وتشمل هذه الفئة أيضًا المتأثرين بالأمراض المعدية نتيجة الصراع والهجرة. كما تشمل الأمراض غير المرتبطة بالحرب المرضى المصابين بالأمراض غير السارية الذين فقدوا إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الكافية، وأولئك الذين يعانون من تدهور النظم والمرافق الصحية.
إن استخدام أسلحة جديدة يثير تحديات جديدة يواجهها مقدمو الرعاية الصحية.
والحالات الجديدة وغير المألوفة ناتجة عن أنواع الأسلحة هذه، وغالبًا ما يكون جراحو الصدمات المتخصصون، أو الجراحون العامون المتمرسون هم من يستكشفون هذه الحالات لسوء الحظ.
والأمر اللافت للنظر هنا أن عدد هؤلاء الجراحين ذوي الخبرة قليل فى اليمن . وعلى هذا النحو، تنشأ الحاجة إلى تدريب أجيال جديدة من الأطباء الماهرين في طب النزاعات.
طب النزاعات والحالة الراهنة فى اليمن والدول الفقيرة:
طب النزاعات مجال متخصص في تقديم خدمات الرعاية الصحية للناجين من الصراع والحرب وتقديم الرعاية الطبية، والتخطيط ، والاستجابة طوال فترة النزاعات.
يقدم المتخصصون النصيحة والتوجيه والخبرة في المبادئ وممارسة الطب في مناطق النزاعات ، وعلى عكس جميع مجالات التخصص الأخرى، فإن طب النزاعات تخصص يمارس فقط في حالات الطوارئ المتعلقة بالنزاعات والحروب.
أنظمة التعليم الطبي الحالية في الدول العربية تضمن أن يكون خريجو الطب، مؤهلين تأهيلا كافيا يمكنهم من الوصول إلى التشخيص والتخطيط السليم للعلاج، ومع ذلك ليس هناك تركيز كاف على التدريب العملي على التجارب التي يمكن أن تكون ضرورية في أوقات الحرب.
المهارات الأساسية في طب النزاع تشمل: الجراحة، و الإسعافات الأولية، مثل: خياطة الجروح فى أرض المعركة، وإعطاء المحاليل الوريدية. فضلاً عن ذلك، يقل الاعتماد المفرط على أدوات التشخيص المتقدمة في المواقف الحرجة. وكذلك عدم المرونة في إتباع الإرشادات المحددة، وعدم القدرة على تعديل الإرشادات حسب الحالات.
تتطلب الرعاية الشاملة للمرضى- في حالة النزاع – تنسيق القطاعات الطبية، والاجتماعية، والصحة العامة، لذلك فإن تطوير، وتكامل الوحدات فى طب النزاعات والكوارث في التعليم الطبي يجب أن تصبح أولوية لكليات الطب، والرعاية الصحية.
إن إقامة مراكز في اليمن لتجهيز الكوادر الطبية بشكل أفضل بالمهارات والمعرفة ستعود بالفائدة على مجتمعاتهم في أوقات الحاجة.
الافتقار إلى الأوساط الأكاديمية هو نقص آخر يحد من نقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة.
في كثير من الأحيان، الأطباء العاملون في طب النزاع يتعاملون مع الإصابات الناتجة عن الحرب والنزاعات في مراكز ومستشفيات تكون قريبة من مناطق الصراع، وبالتالي فهي ليست أكاديمية، لذلك لا تنتقل معرفتهم إلى الجيل القادم من الأطباء.
تعزيز طب النزاعات:
مع تصاعد التحديات المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط يبدو أن تبني طب النزاع بات أكثر أهمية لتقديم الرعاية الصحية المناسبة في الحالات الحرجة ومناطق الحرب.
كليات الطب في الدول العربية – التي تتبنى المناهج الموجودة في البلدان المتقدمة – تفتقر إلى المكونات اللازمة لمواجهة التحديات الصحية الجديدة في مثل هذه المجتمعات العربية التي يمزقها الصراع، وهي تعتمد على الطب التقليدي الذي يضمن تعلم المبادئ الأساسية فحسب، لكنه لا يستهدف احتياجات المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، عدم وجود التخطيط السليم والاستراتيجيات، لمواكبة تغييرات المناهج الدراسية، ومعالجة الاحتياجات الصحية. ومع ذلك، فإن كليات الطب هي التي يجب أن تقود الجهود لتغيير الوضع الحالي بالتنسيق مع صانعي السياسات.
إن إنشاء رؤية موحدة واضحة للتعليم الطبي في اليمن و المنطقة، ضروري للاستجابة المناسبة لاحتياجات المجتمع.
ويتطلع القائمون على تطبيق هذه الرؤية إلى حزمة من الإنجازات، مثل: دمج طب النزاعات في التعليم الطبي العام، و دعم الأبحاث المرتبطة بالنزاع من النواحى الاجتماعية والاقتصادية. وجدير بالذكر أن هذا النمط من الأبحاث سيساعد في تحسين الرعاية المقدمة في البلدان المتضررة بشكل مباشر ، مثل: سوريا واليمن والعراق وفلسطين.
وحدة طب النزاعات:
نقترح إدراج طب النزاعات في المناهج الطبية في اليمن كوحدة نمطية، تركز على وضع تصور للخبرات العملية، كما تركزعلى تعليم الطلاب بشكل صحيح على الهيكل التنظيمي لنظام الصحة في اليمن وكيف يعمل في حالة الحروب.
يجب إجراء إحصاء الضحايا وتقسيمهم إلى طبقات من قبل الهيئات الحكومية، وصانعي السياسات. علاوة على ذلك، عرض ومناقشة تقارير حالات الحرب المختلفة، وضرورة تعريف الطلاب بأسباب الأمراض المرتبطة بالحرب، ودعم نقل المعرفة، حول كيفية التعامل مع الحالات وعلاجها، من قبل جيل من الأطباء إلى جيل آخر جديد.
وكذلك تعلم الإجراءات الجراحية الأساسية ، والإسعافات الأولية للمرضى الذين يعانون من الصدمات أو الحروق، وينبغي أن تكون التدريبات – التي تحاكي أوقات الحرب في أماكن الرعاية الصحية ومناطق النزاع – تجري بشكل متكرر لإبقاء الطلاب يقظين وعاليي المهارات.
علاوة على ذلك، المهارات الاجتماعية والأخلاقية المطلوبة لتقديم الدعم النفسي للسكان المعرضين للإصابة يجب تقديمه، والتأكيد عليه في حالات:
اضطراب ما بعد الصدمة للضحايا، على سبيل المثال، يجب تقديمهم ودراستهم، ويجب مناقشة التدخلات العلاجية المناسبة، بالإضافة إلى ذلك تقييم المعرفة والقدرة على تكيف الطلاب على المدى الطويل مُسْتَقْبَلِيًّا، ضروري لضمان أن أهداف التعلم يتم تحقيقها.
المواضيع المقترحة فى طب النزاعات :
– القانون الدولي الإنساني: حقوق وواجبات العاملين الصحيين في أوقات النزاع.
_ المقذوفات والجروح.
_ الإسعافات الأولية، وسلسلة رعاية المصابين.
– فرز الإصابات الجماعية والتخطيط لها.
– علوم الأوبئة لصدمات الحرب.
– التدبير العلاجي الجراحي لجروح الحرب.
-تأخر الإغلاق الأولي وتطعيم الجلد.
-اهمال الجروح التي أسيء معالجتها.
– إدارة الرصاص المحتجزة والشظايا المعدنية.
– طرق تضميد الجروح.
– العدوى والمضادات الحيوية فى الحرب.
-التعامل مع إصابات الألغام والانفجارات.
-التعامل مع الكسور.
-عمليات البتر في الحرب.
– الدور الأساسي للعلاج الطبيعي وإعادة التأهيل المبكر.
-المشاكل النفسية لدى جرحى الحرب.
-طرق التخدير في الحرب.
– إدارة الألم.
-إدارة إصابات الحروق.
-التعامل مع إصابات الدماغ والعمود الفقري.
– إصابات الوجه والفكين.
– إصابات الأوعية الدموية .
– إصابة الجهاز العصبي .
-نظام تصنيف الجروح.
-نقل الدم.
– إدارة الجثث.
– إنشاء مستشفى حرب ميداني.
– تشكيل فريق جراحي متنقل.
– مقدمة في الحرب غير التقليدية وتحدياتها. القواعد الأساسية لإدارة ضحايا الحرب الكيميائية.
استنتاج :
إن تبني طب النزاع مهم لضمان تقديم الرعاية الصحية المناسبة في الحالات الحرجة، وفي مناطق الحروب. ونعتقد أن الاستثمار في الرعاية الصحية أمر بالغ الأهمية لتقديم خدمات فعالة من حيث التكلفة للسكان المتضررين.
إن تكثيف الجهود الدبلوماسية لتعزيز الحوار، وتجنب الصراع والحرب أفضل طريقة لمنع الأذى الفردي والضرر المجتمعي.
*رئيس قسم الطب البشري بكلية الطب والعلوم الصحية في جامعة الجيل الجديد