سهيل كيوان
هناك عبارة لأرسطو تقول “إنّ البشر مخلوقات سياسية لأنّهم يتمتّعون بميزة الكلام الذي يسمح بالحديث عن العدل وعن الظلم، بينما لا تملك الحيوانات سوى الصّوت الذي يعبر عن الألم أو اللذة”.
تناضل شعوب كثيرة لأجل حق الاقتراع وانتخاب من يمثّلها وينطق باسمها. وفي الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، يتساوى في صندوق الاقتراع صوتُ الفيلسوف مع صوت المُجرم الجنائي والنّصاب ومبيّض الأموال، يتساوى صوت المحرّض على العنف والسيطرة على الآخرين ومقدراتهم مع صوت داعية السّلم والمحبة بين أبناء البشر.
بكل بساطة، يُسمح للشعب وبحسب الدُّستور والقانون، انتخاب ممثلين على شاكلته، أو من استطاعوا أن يقنعوا الجمهور بأنهم على شاكلته وقادرون على تحقيق أحلامه وطموحاته.
الانتهازي يرى في الانتهازي سياسياً قديراً، والنصّاب ينتخب النّصاب، لأنه يجد المشترك بينهما ويتفهّم كونه نصّاباً ويعتبر الأمر طبيعياً، والمرتشي يرى في الرشوة أسلوب حياة روتينياً، فيمنح صوته لمن يقدم له الرّشوة، قد تكون نقدية مباشرة وقد تكون بوعد في وظيفة أو صفقة تجارية!
كذلك، فإن صاحب المبادئ الثابتة والفكر الذي يسعى إلى الوضوح والشفافية والعدل، يحاول أن يعثر على الأفضل والأكثر نزاهة.
توجد حركات وأحزاب تطرح أفكاراً راقية وإنسانية في جوهرها، عادة ما تكون من النُّخب المثقفة، وهي تصلح في المناطق الخالية من الصراعات القومية أو الدينية، ولهذا تجد أن جمهورها قليل في بلادنا ومنطقتنا كلها، لأنها خارج المزاج العام.
توجد أحزاب دينية تقليدية، جمهورها ثابت لا ينقص أبداً، لأنّه يلتف حول عقيدة يفسّرها الرب الأكبر، بحسب فهمه أو اجتهاده ورغبته وميوله، ويزداد جمهورها بالتكاثر الطبيعي، فالأبناء يرثون ذويهم في العقيدة والحزب وحتى في ورقة الانتخاب، وهي تعمل بنظام الكتلة الواحدة (البلوك) الخالي من أي نقاش أو حوار.
الحزب الديني يشبه العشيرة؛ لشَيخها القرار، ومن يخرج عن الإجماع يُنبذ، بل ويعتبر خائناً.
كلّما كان الحزب ممثَّلاً أكثر بعدد أعضاء في البرلمان، كانت ميزانيته من الدولة أكبر، فيدفع للإعلانات أضعاف ما يمكن لحزب صغير أن يفعله، فتراه في كل زاوية وجدار، وفي وسائل التواصل والإعلام حتى يصبح راسخاً في وعي الناس.
النّصر من نصيب الخطابات الشعبوية التي تدغدغ أحلام الجماهير، والتي تستطيع إيهام الناس بحلول بسيطة لمشاكلها، وفي حياة أفضل، وقوانين سوف يستفيدون منها مادياً، وأخطرها الخطابات ضد الآخر، حين يكون من قومية أخرى أو دين مختلف في حالة صراع.
حصل حزب الصهيونية الدينية (العَظَمة اليهودية) في انتخابات الكنيست الأخيرة على كمية كبيرة من الأصوات، جعلته القوة الثالثة في الكنيست، وبتمثيل غير مسبوق لأصحاب وورثة الفكر الكاهاني الفاشي العنصري.
تتلخّص دعاية الصهيونية الدينية الانتخابية في الرغبة في سن المزيد من القوانين العنصرية ضد العرب الفلسطينيين من مواطني الدولة، وذلك حفاظاً وتأكيداً على الحيز العام اليهودي بما يتلاءم مع يهودية الدولة، دون أن يذكر ما العمل مع العرب! هل سيمنعهم من التحدث بالعربية في الأمكنة العامة؟ هل سيسمح لعدد محدود منهم بدخول الشواطئ والمنتجعات العامة! هل سيدعوهم إلى وقف الإنجاب لعقدين مثلاً!
في برنامجه سوف يسنُّ قوانين للاستيلاء على جميع الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية، وعملياً إلغاء دور السّلطة الفلسطينية وتفكيكها، وتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية، ليصبحوا مثل أي مواطنين عاديين يعيشون في تل أبيب، والدفع بمليون مستوطن جديد إلى الضفة الغربية، إلى جانب تصعيد السَّعي للسّيطرة التامة على المسجد الأقصى، ولم يقل ماذا سيكون مصير الفلسطينيين في الضفة الغربية بعدما تسيطر إسرائيل على مناطقهم المفتوحة.
كذلك فهو سيحدُّ من صلاحيات محكمة العدل العليا التي يعتبر أنها تعرقل برامجه، مثلاً لا يعجبه حكمها بهدم بيت بناه مستوطنون على أرض فلسطينية خاصة، وسوف يُشرعن مثل هذه الحالات، ويؤهل جميع المستوطنات التي يسمونها غير شرعية لتصبح مثل أي مستوطنة أخرى “شرعية”.
خطاب الكراهية سهلٌ جداً ويحظى بشعبية في منطقة يسودها الصراع على الأرض، والخوف من الآخر، ما دام لا يجد رادعاً له، فطبيعة البشر اللئيمة تزداد شراسة ما لم تجد ما يردعها، وأكبر المشجعين لهذه الفاشية التي انفلتت من عقالها هم العرب الذين طبّعوا ويطبّعون العلاقات مع دولة تمارس هذه السياسة العنصرية، دون التفات إلى ممارساتها.
الفاشية تحمّل الآخر مسؤولية العقبات التي تواجه الناس في حياتهم الشّخصية، وحتى في أزماتهم العاطفية، خصوصاً من أبناء الجيل الشاب.
ارتوت أجيال بالكراهية والاستعلاء، حتى صاروا يرون بمن يطلب المساواة بين الناس متطرفاً ولا سامياً، وبأنه يحرّض على العنف.
في أول تصريح له على فوز اليمين بزعامة نتنياهو، أعلن عضو برلمان بارز من الليكود أنّ أول قانون سوف يسعى إلى سنّه هو سحب الجنسية الإسرائيلية ممن يرفع علم فلسطين، وقال إن من يشعرُ بأنّه فلسطيني فعليه مغادرة إسرائيل، ومن يعتبر نفسه فلسطينياً فهو “جاحد ومنكر لفضل الدولة التي أعطته كل شيء!” بعبارة أخرى، يجب عليك أن تخلع جلدك وتتنكر لحقيقتك وتعيش في شخصية غيرك، مقابل حصولك على بعض حقوق الإنسان.
طرح اليمين الفاشي شعارات شعبوية، مثل أنّه الوحيد القادر على التعامل مع العرب، ويقصد طبعاً المزيد من العنف ضدّهم، وهو الذي سيرغمهم على الانصياع للقوانين، وسيمنعهم من سرقة أراضي الدولة، والدولة المسكينة تَعتبر أن العربَ هم الذين سرقوا أراضيها وليس العكس.
وفي برنامج الصهيونية الدينية “أرض إسرائيل هي لشعب إسرائيل”، بحسب التوراة، ومن حقّه السيطرة عليها، بعبارة أخرى، شرعنة سرقة الأرض الخاصة وطرد أصحابها منها، ومحو وجودهم وإخفاء تراثهم وحتى شيطنتهم لتبرير قمعهم إلى درجة القتل من غير محاسبة! لقد انتخبت أكثرية الشعب من هم على شاكلتهم، من النصابين والفاشيين والقتلة.
