ساهمت شدة الجفاف في تدهور مملكة حِمْيَر العربية الجنوبية القديمة، وفقًا لما توصل إليه باحثون من جامعة بازل بسويسرا في دراسة حديثة نشرتها مجلة ساينس.
فإلى جانب الاضطرابات السياسية والحروب، تركت موجات الجفاف وراءها المنطقة في حالة من الفوضى، وبالتالي أوجدت الظروف التي هيأت لانتشار الدين الإسلامي الناشئ حديثًا في شبه الجزيرة العربية، وفقًا لنتائج الدراسة.
ولمدة تقارب 300 عام، كانت مملكة حمير هي القوة المهيمنة في شبه الجزيرة العربية القديمة، وقد ربط اقتصادها -القائم على الزراعة والتجارة الخارجية- شرق أفريقيا بعالم البحر الأبيض المتوسط.
ويقول الباحثون إن الجفاف أصاب المنطقة طوال القرن السادس، وبلغ ذروته فيما بين 500 و530 م، ويعتقدون أن زوال حمير المفاجئ بعد فترة وجيزة -الذي كان سببه المباشر غزو مملكة أكسوم المجاورة (إثيوبيا الآن)- يشير إلى علاقة بين الحدثين.
ولذلك يعتقد خبراء جامعة بازل في سويسرا أن الجفاف الشديد ربما كان عاملًا حاسمًا فضلا عن الاضطرابات في الجزيرة العربية القديمة التي ظهر فيها الإسلام، إذ “كان الناس يبحثون عن أمل جديد، أو شيء يمكن أن يجمع الناس مرة أخرى كمجتمع والدين الجديد قدم ذلك”، وفق قولهم.
وحلل الباحثون طبقات الصواعد من كهف الهوتة في عمان الحالية، ووجدوا أن معدل نموه والتركيب الكيميائي لطبقاته يرتبط ارتباطًا مباشرًا بكمية هطل الأمطار فوق الكهف، وبالتالي فإن الشكل والتركيب النظائري للطبقات المترسبة من الصواعد يمثلان سجلًّا قيّمًا للمناخ التاريخي.
ويقول البروفيسور دومينيك فليتمان من جامعة بازل “حتى بالعين المجردة، يمكنك أن ترى من الصواعد أنه لا بد من أن فترة جفاف شديدة استمرت عدة عقود”.
وبتحليل المزيد من عمليات إعادة بناء المناخ بالمنطقة ومن خلال المصادر التاريخية، والتعاون مع المؤرخين تم تحديد توقيت الجفاف الشديد الذي استمر عدة سنوات.
وتضمنت المصادر المفيدة بيانات حول مستوى المياه في البحر الميت ووثائق تاريخية تصف استمرار الجفاف عدة سنوات في المنطقة يعود تاريخها إلى 520 ميلادية، وتربط بالفعل الجفاف الشديد بأزمة في مملكة حمير.
كما أدت الاضطرابات السياسية في المنطقة والحرب بين جيرانها الشماليين -الإمبراطورية البيزنطية والساسانية- التي امتدت إلى حمير إلى إضعاف المملكة، وكان السكان يعانون من مصاعب كبيرة نتيجة الجوع والحرب.
لكن فليتمان شدد على أن هذا لا يعني أن الجفاف أدى مباشرة إلى ظهور الإسلام بل “كان عاملًا مهمًّا في سياق الاضطرابات في العالم العربي في القرن السادس”، بحسب قوله.