Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookCheck Our Feed

بر الدناكل.. رحلة في فضاءات الإبداع

عادل عبدالاله العصار

الكتاب مصيدة يصعب الفكاك منها، بهذه العبارة يمكنني وصف قصتي مع الكتاب، لذلك أجدني في أحايين كثيرة اتهرب إن دعاني شخص لقراءة كتاب، لأدراكي بأنني إذا ما أمسكت كتابا وبدأت القراءة فيه لا أستطيع التوقف إلا بعد الانتهاء منه، لذلك فإنني اعتبر مثل هكذا دعوة أمرٌ سيفرض عليّ الانعزال عن محيطي لبعض الوقت، لكن ليس أي كتاب يمكنه فعل ذلك بي.

اتصلت بصديقي الروائي الرائع محمد الغربي عمران مبديا له إعجابي بل وانبهاري بروايته #حصن_الزيدي مؤكدا له فيما يشبه العتاب والخجل معا بأني قرأت الرواية إلكترونيا وحمّلت بقية أعماله من خلال الانترنت، فشعرت وأنا أهاتفه بحرجٍ كبير بسبب تقصيري في متابعة أعماله.

بعد أقل من 24 ساعة فوجئت بكنوز الغربي تصلني الأمر الذي جعلني أكثر خجلا أمام عطاء الغربي.. امسكت رواية #بر_الدناكل التي لم يفلح بحثي عنها في الشبكة العنكبوتية، محاولا فك طلاسمها لكنني وبعد اكمال قراتي للصفحة الاولى لم استطع مقاومة ما يتشكل أمام عينيّ من سحر اللغة وروعة التوظيف للمفردات وعميق ما تفيض به من معنى..

ولأن قانوني الشخصي في القراءة يحرم علي تقسيم قراءة الكتاب أو التوقف وطي صفحة لصنع محطة استراحة اعود اليها في تالي الأوقات وجدت نفسي وأنا اقرأ ” بر الدناكل ” -وأسهر عليها حتى الصباح- أسير في رحلة خالية من المحطات.. رحلة حملتني قافلة الابداع فيها إلى فضاءات أنستني “الزمكان” وشعرت وكأنني أتشارك مع شخوصها كل التفاصيل بل وجعلتني اشعر بأن توقفي عن القراءة سيحرم شخوصها مواصلة التدفق الذي يعيشونه ويوقفهم عن أداء أدوارهم في مسرح الرواية الذي وجدت نفسي فيه المشاهد الوحيد..

يقول الفيلسوف إبن خلدون في مقارنته بين السيف والقلم  ما خلاصته بأن الأقلام تنهض وتتحرك عندما تتوقف الحروب، لكن قلم الغربي عمران خالف قاعدة ابن خلدون ونهض متزامنا مع الحرب واختار أن يكون شاهدها ومدون تفاصيلها وانعكاساتها على حياة الناس والمنتصر لمشاعرهم وأحاسيسهم ضاربا بالسياسة ومشاريعها الفاشلة عرض الحائط..

قد ينظر البعض لرواية “بر الدناكل” اليوم على انها رواية عادية لكنها في الحقيقة ليست رواية عادية بل حكاية وطن وآلام شعب وتوثيق تاريخي انتصر فيه الكاتب للحقيقة وللمشاعر الانسانية وشارك المجتمع أوجاعه وهمومه وهو أقل ما يمكن للكاتب تقديمه لمجتمعه في مثل هذه الظروف.. ولن اجانب الصواب إن قلت بأن هذه الرواية ستمثل بعد توقف الحرب وانقشاع سحب وغيوم البارود مرجعا تاريخيا للكثير من الأعمال الأدبية التي سيحاول الكثيرون تضمينها ما شهدته اليمن وعاشه ثلاثين مليون إنسان من تناقضات وآلام وأحزان خلال سنوات خالية من الحياة.

الحديث عن الرواية وما حملته من جماليات وصور ومعان يحتاج للكثير الذي يليق بها وسأكتفي هنا بالقول إن الغربي عمران استطاع في رقمين الجمع بين معنيين متضادين، ففي الوقت الذي نجد الرقم “54” يشير إلى نقطة انطلاق الرواية والرقم “صفر” يشير إلى اكتمالها، نجد ذات الرقمين في المعنى الثاني يشيران إلى ما كنا قد وصلنا إليه بالأمس وصفر الواقع الذي نعيشه اليوم، وسلامٌ عليك أيها الغربي الجميل.

Share

التصنيفات: ثقافــة,عاجل

Share