إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن “واثقاً” بأن نظيره الروسي فلاديمير بوتين “اتخذ قرار” غزو أوكرانيا، فما الداعي لعقد قمة بين الرئيسَين بوساطة الفرنسي إيمانويل ماكرون؟
هذا السؤال يمثل الآن أحد فصول التجاذبات العلنية بين موسكو وواشنطن بشأن الأزمة الأوكرانية، التي يبدو أنها دخلت مرحلة حرجة مع استمرار القصف في الأقاليم الشرقية المجاورة للحدود الروسية.
وازداد التوتر بشأن الأزمة التي تحبس أنفاس العالم بعد أن أعلنت وزارة الدفاع في روسيا البيضاء أن روسيا ستُمدد التدريبات العسكرية في روسيا البيضاء، والتي كان من المقرر أن تنتهي الأحد 20 فبراير/شباط. وأظهرت على ما يبدو صور الأقمار الصناعية عمليات نشر جديدة للمدرعات والقوات الروسية بالقرب من أوكرانيا.
وعلى الرغم من الاختلاف الكبير حد التناقض بين وجهة النظر الروسية بشأن أزمة أوكرانيا ووجهة النظر الغربية بشأن نفس الأزمة، فإن الرئيس الأمريكي بايدن قد وضع تلك الأزمة على قمة أجندته السياسية خلال الأسابيع القليلة الماضية بصورة جعلته طرفاً أصيلاً في الأزمة العالمية الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية.
ماكرون يقترح قمة بايدن وبوتين
في الوقت الذي اشتعلت فيه الأمور في شرق أوكرانيا وبدا أن الحرب بدأت وأغلقت نافذة الدبلوماسية، جاء الإعلان عن عقد قمة بين بوتين وبايدن بوساطة فرنسية، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بايدن وبوتين وافقا من حيث المبدأ على عقد قمة بشأن أوكرانيا.
وقال مكتب ماكرون، الإثنين 21 فبراير/شباط، إن الرئيسَين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين اتفقا من حيث المبدأ على عقد قمة بشأن الأزمة الأوكرانية. وقال قصر الإليزيه: “سيتعين إعداد ما ستناقشه القمة من قِبَل وزير الخارجية (الأمريكي) بلينكن ووزير (الخارجية الروسي) لافروف خلال اجتماعهما يوم الخميس 24 فبراير. لا يمكن عقده إلا بشرط ألا تغزو روسيا أوكرانيا”.
وأضاف البيان أن ماكرون سيساعد في إعداد ما ستتناوله المحادثات، بحسب رويترز، بينما قال البيت الأبيض إن بايدن وافق على الاجتماع “من حيث المبدأ”، ولكن فقط “إذا لم يحدث غزو”.
وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض: “إننا مستعدون دائماً للدبلوماسية”، وأضافت: “نحن مستعدون أيضاً لفرض عقوبات وخيمة وسريعة إذا اختارت روسيا الحرب بدلاً من ذلك”.
القمة المفترضة إذاً مشروطة من الجانب الأمريكي، بألا يحدث “الغزو الروسي” لأوكرانيا، علماً بأن حديث الغزو نفسه حديث أمريكي استخباراتي وسياسي تنفيه موسكو بشكل علني طوال الوقت.
وتطرح موافقة بايدن، حتى وإن كانت من حيث المبدأ، على عقد تلك القمة مع بوتين تساؤلات عديدة، لأن ساكن البيت الأبيض كان قد قال للصحفيين قبل يومين فقط إنه يعتقد أن “بوتين اتخذ قرار الغزو“، على الرغم من أن بايدن كان قد حدد يوم 16 فبراير/شباط موعداً لغزو أوكرانيا من جانب روسيا وهو ما لم يحدث.
وقد صدر هذا الإعلان عن القمة بين الرجلين بعد سلسلة من الاتصالات الهاتفية أجراها ماكرون مع بايدن وبوتين ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون. ولم يعلق الكرملين ولا مكتب الرئيس الأوكراني زيلينسكي على تلك الأنباء حتى ظُهر الإثنين 21 فبراير/شباط.
لكن وسائل الإعلام الأمريكية انقسمت بشكل واضح حول قرار بايدن الموافقة على لقاء بوتين في هذا التوقيت؛ بين فريق يرى ذلك خطأ؛ لأنه يمثل مكافأة للرئيس الروسي، وفريق آخر يراها خطوة ذكية من بايدن قد تفتح الباب مرة أخرى أمام الحلول الدبلوماسية وإسكات أصوات المدافع التي انطلقت بالفعل.
مخاطرة من جانب بايدن
“لماذا تعتبر القمة مع بوتين مخاطرة ضخمة من جانب بايدن؟”، تحت هذا العنوان جاءت تغطية شبكة CNN الأمريكية لتلك القمة المقترحة، على الرغم من عدم توفر تفاصيل كثيرة بشأنها بعد، وكان السؤال الرئيسي المطروح هو: إذا كان بايدن واثقاً من أن بوتين قرر غزو أوكرانيا، فلماذا إعلان الموافقة على عقد قمة معه؟
وأجاب وزير الخارجية أنتوني بلينكن بالقول إن كل شيء يتوقف على ما إذا كانت روسيا ستغزو أوكرانيا أم لا، وهذا الكلام ينطبق أيضاً على اجتماع مقرر بينه وبين نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف الخميس 24 فبراير/شباط.
لكن خلال ذلك التفسير الذي قدمه الوزير الأمريكي، كان هناك إصرار على أن روسيا قد قررت بالفعل غزو أوكرانيا وأن الأمر أصبح مسألة وقت فقط، مضيفاً أن الموافقة من جانب الرئيس الأمريكي على لقاء نظيره الروسي تعني أن واشنطن ستواصل السعي نحو حلول دبلوماسية طالما أن “الدبابات والطائرات الروسية لم تبدأ عملها بعد داخل الأراضي الأوكرانية”.
وقبل ساعات فقط من الإعلان عن موافقة بايدن على القمة، أعلنت تقارير استخباراتية أمريكية أن بوتين أعطى بالفعل أوامره للقادة الميدانيين بالبدء “في تنفيذ الغزو”، وهو ما طرح تساؤلات من جانب أطراف أمريكية بشأن إذا ما كان بايدن يريد تقديم “تنازلات” للرئيس الروسي لثنيه عن تنفيذ الغزو، بحسب تحليل الشبكة الأمريكية.
لكنَّ مسؤولين أمريكيين يرون أنه لو نجح الإعلان عن تلك القمة بين بايدن وبوتين، والتي لن تنعقد بطبيعة الحال قبل اجتماع بلينكن ولافروف الخميس المقبل، فإن ذلك يعتبر نجاحاً للاستراتيجية التي تتبعها إدارة بايدن وهي “تسريب المعلومات الاستخباراتية” بصورة غير مسبوقة ومن ثم ردع روسيا عن غزو أوكرانيا.
وربما يكون أكثر ما يميز تلك الأزمة، التي يعتبرها بايدن الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، هو ذلك التدفق الكبير للمعلومات بشأن روسيا وتفاصيل حشودها العسكرية ومؤامراتها الهادفة إلى زعزعة استقرار أوكرانيا، بحسب وصف تلك التقارير الاستخباراتية الأمريكية.
وعلى الرغم من أن روسيا تصر، منذ اللحظة الأولى لانتشار تلك التقارير، على أنها لا تنوي مهاجمة أوكرانيا، فإن التقارير الاستخباراتية الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، لا تتوقف ولا يكاد يمر يوم دون “تسريب” تقارير استخباراتية جديدة عن تلك الأزمة. والتسريب يتم بشتى الطرق، وبصورة مكثفة أصابت خبراء الجاسوسية ومتخصصي الاستخبارات بالقلق الشديد، لأن إدارة بايدن ربما تخاطر بفقدان أجهزة الاستخبارات الأمريكية مصداقيتها، بحسب تقرير لمجلة Politico عنوانه “مجتمع الجواسيس قلق من تسريب فريق بايدن معلومات حول روسيا”.
هل عقد قمة بوتين وبايدن أصبح محسوماً؟
لكن على الرغم مما أثاره الإعلان عن نجاح وساطة ماكرون في اتفاق بايدن وبوتين على عقد قمة بينهما، هناك مؤشرات عديدة على أن تلك القمة قد لا تنعقد من الأساس؛ إذ قال مسؤول بإدارة بايدن في رسالة بالبريد الإلكتروني لرويترز إن تلك القمة “افتراضية تماماً” لأنه لم يتم تحديد التوقيت والشكل بعد.
مايكل ماكفول، السفير الأمريكي السابق لدى روسيا، قال إنه يشكك في أن هذه القمة سوف تعقد، وأضاف في رسالة على تويتر: “لكن إذا التقى بايدن وبوتين فعليهما دعوة (زيلينسكي) للانضمام”.
ويضيف تعالي طبول الحرب خلال الأيام القليلة الماضية في شرق أوكرانيا مزيداً من الشكوك حول احتمال إقامة تلك القمة، حيث زادت حدة القصف المتقطع عبر الخط الفاصل بين القوات الحكومية الأوكرانية والانفصاليين منذ الخميس 17 فبراير/شباط، واستمرت أصوات القتال حتى الإثنين عندما سُمع دوي انفجار في وسط مدينة دونيتسك التي يسيطر عليها الانفصاليون. وكان سببه غير معروف.
وذكرت وكالة الإعلام الروسية أن انفصاليين مدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا أعلنوا، الإثنين، مقتل مدنيين اثنين في قصف للقوات الحكومية في كييف، ونقلت الوكالة عن ممثلي جمهورية لوهانسك الشعبية المعلنة من جانب واحد قولهم إن الحادث وقع في ساعة متأخرة من مساء الأحد.
واتهمت كييف القوات الموالية لروسيا بقصف مواطنيها في شرق أوكرانيا لإلقاء اللوم في الهجمات على القوات الحكومية الأوكرانية. وأدى القتال والتدريبات العسكرية الروسية المستمرة إلى توتر أوروبا. وقال رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا في مقابلة تلفزيونية إن القارة على شفا كارثة. وأضاف: “ليس من قبيل المبالغة القول إن أوروبا تبتعد خطوة عن الحرب وهو أمر لم يكن متصوراً قبل وقت ليس بطويل”.
وقال البيت الأبيض إن بايدن ألغى زيارة لولاية ديلاوير وسيبقى في واشنطن عقب اجتماع استمر ساعتين لمجلس الأمن القومي الأمريكي، كما تحدثت شركة ماكسار الأمريكية لصور الأقمار الصناعية عن عمليات نشر جديدة متعددة لوحدات عسكرية روسية في الغابات والمزارع والمناطق الصناعية على بُعد 15 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا وهو أمر قالت ماكسار إنه يمثل تغييراً عما شوهد في الأسابيع الأخيرة.
وقالت الشركة: “حتى وقت قريب، شوهدت معظم عمليات الانتشار متمركزة بشكل أساسي في أو بالقرب من حاميات عسكرية ومناطق تدريب موجودة”. وقال بلينكن لمحطة “سي إن إن” إن جميع الدلائل تشير إلى أن روسيا على وشك الغزو، لكن روسيا نفت مراراً وجود مثل تلك الخطط.
“عربي بوست”