الحماس الإجرامي والوحشي الذي تبديه مملكة نجد والحجاز ضد الشعب اليمني بعد ان هيئات كل الظروف الداخلية والخارجية للقيام به، هذا العدوان الإجرامي لم يكون وليد الصدفة ولا هو حصيلة ازمة داخلية يمنية ولا يأتي في سياق رغبة النظام السعودي بدعم ما يسمى ب ( الشرعية) ولا هوا في سبيل ردع ( الانقلابين) ولا في مواجهة النفوذ ( الإيراني) ولكن لهذا العدوان الإجرامي والغير مسبوق والباهض الثمن دوافع واهداف سعودية و يأتي تلبية لرغبة إستراتيجية تستوطن نظام أل سعود وهي رغبة قديمة اخفق هذا النظام في تحقيقها على مدى نصف قرن منصرم وتتمثل هذه الرغبة في تكريس زعامة ال سعود للعالمين العربي والإسلامي ومحاولة لملء الفراغ الاستراتيجي الذي تعيشه الامة العربية وهو الفراغ الذي تسببت به وصنعته سياسة النظام السعودي طيلة العقود المنصرمة ومع الاحتلال الامريكي للعراق والذي تم بتمويل خليجي وسعودي تحديدا ثم احتوى النظام المصري وصولا إلى المؤامرة الكبرى لنظام ال سعود ضد الجمهورية العربية السورية والجماهيرية الليبية ومحاولتها تطويع وتركيع المقاومة العربية في فلسطين ولبنان والعراق، وقد فشل النظام السعودي في تحقيق نجاحا يذكر لا في العراق ولا في سورية ولم يتمكن من تطويع المقاومة العربية في فلسطين ولبنان كما انكسر حضوره في ليبيا على حساب دول اخرى فكانت اليمن هي الساحة التي حاول نظام ال سعود تدشين مرحلة لنفوذ إقليمي ودولي يتصدره من خلال الساحة اليمنية وعبر عدوانه الإجرامي والوحشي باعتبار اليمن هي اخر المنافذ المتاحة امامه ليسجل من خلالها حضورا إقليميا ودوليا فان اغلقت امامه هذه النافذة فهذا يعني زوالا حتميا لنظام يتطلع إلى مكانة يحتاج من يتطلع إليها لإمتلاك عوامل ومقومات ذاتية وموضوعية وجغرافية وكل هذه المقومات لا يمتلكها النظام السعودي وبالتالي لا تتوفر فيه شروط الزعامة لا للامة العربية ولا للامة الإسلامية وكل مؤهلاته هو ثروة يمتلكها وهذه الثروة مهما كانت عظمتها فأنها لا تؤهل مالكها لان يلعب دورا حضاريا ومحوريا في مسار وحياة الامة وعلى الساحتين العربية والإسلامية..
أن ثمة حقائق تاريخية وحضارية تتصل بالنظام السعودي ودوره كنظام يؤدي دورا وظيفيا وقد اوجدت القوى الاستعمارية هذا الكيان ليؤدي هذا الدور الوظيفي المتعارض كليا مع كل تطلعات واحلام الامتين العربية والإسلامية التي لم يمثل لهما النظام السعودي يوما كحاضنة ولم يكن لهما درعا وسيفا بقدر ما كان دوما يؤدي دور ( السائس والمروض) لإرادة الامتين وتطويعهما او بالأصح تطويع انظمتها ليكونوا في خدمة المحاور الاستعمارية المعادية للوجود القومي العربي ولتطلعات الامة الإسلامية، وليس غريبا ان يتزامن صدور ( وعد بلفور) بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين مع البدء في تأسيس نظام أل سعود وقد ساهم أل سعود في الكثير من الاحداث التي استهدفت الامة العربية وتصدت هذه الاسرة لفكرة القومية العربية وللعروبة ولكل احلام أبناء الامة، في ذات الوقت التي ضربت فيها العقيدة الدينية وافرغتها من الكثير من قيمها الروحية بل وعملت بجد وحماس لتحريف كل القيم والمفاهيم الإسلامية وعملت على تكريس قيم ومفاهيم بديلة لا علاقة لها بالدين الإسلامي ولا بقيمه واخلاقياته ومفاهيمه الحضارية والإنسانية، وكل ممارسات نظام آل سعود على مدى عقود سيطرتهم على جغرافية نجد والحجاز تؤكد عدم احقيتهم في زعامة الامة العربية ولا الامة الإسلامية التي حاولت هذه الأسرة تطويعها عبر سيطرتها وتحكمها بالمشاعر المقدسة في مكة والمدينة التي بدورها لم يعد يربطها بالإسلام ومآثره الروحية والمادية والمعنوية سوى أسميهما فقط..؟!
تاريخيا نجد ان الامة العربية تقوم على عمودين او جناحين هما القاهرة والشام فإذا سقط احدهما فان الاخر يقوم بحمل احلام الامة، وهاذان الجناحان او العمودان لكل منهما خصائصه الذاتية والموضوعية التي تؤهله للعب الدور التاريخي والحضاري في سبيل امته ودورها، فمصر لا يرتبط دورها لا بموقعها ولا بقوة جيشها ولا بقدراتها الاقتصادية او كثافتها السكانية ولكن دورها مرتبط دوما بشخصية قائدها وفهمه لحقائق التاريخ وإيمانه بدور امته ومكانتها ورسالتها، وهذه الحقيقة استوعبها زعيمان مصريان هما الالباني محمد علي باشا والزعيم الخالد جمال عبد الناصر وفيما اخفق الاول لعوامل ذاتية احبط المشروع القومي للثاني بعوامل متعددة ابرزها وحدة قوى الرجعية والاستعمار في مواجهة المشروع القومي وكان النظام السعودي في مقدمة المتآمرين على المشروع الناصري وعلى فكرة القومية العربية ووحدة الوجود العربي .. سورية بدورها الحضاري كجناح اخر حامل للوجود القومي تعرضت بعد رحيل عبد الناصر واستهداف العمل القومي لسلسلة ضربات داخلية وخارجية ، لكنها ظلت متمسكة بثوابتها وهي قدرها، ومهما واجهت من مؤامرات وتحديات ستبقى صامدة لكن سقوطها مرهون بتخليها عن ثوابتها القومية..
طبعا هناك طرف اخر ثالث يمكنه ان يكون فاعلا في المسار القومي إذا توافرت له العوامل اللوجستية وهذ الطرف او المحور هو ( اليمن) الذي يؤهله عمقه الحضاري والتاريخي وعقيدته المكتسبة وتراثها ان يكون محورا فاعلا إذا ما توفرت له قيادة تدرك مكانته ودوره ورسالته ، فيما النظام السعودي لا يملك هذه الخصائص والمؤهلات التي تمكنه من ان ينصب نفسه محورا قائدا لأنه بالأساس نظام ذو وظيفة عضوية وجد ليكون ذراع استعمارية ينفذ اجندات استعمارية وبالتالي حاله مثل حال جماعة الاخوان المسلمين التي ظلت لقرابة مائة عام تعارض وتحلم بالحكم والسلطة وحين وصلت للحكم والسلطة خسرتهما في اقل من عام لأنها بالأساس جماعة ليس لديها مشروعا للسلطة بقدر ما تملك مشروعا للتسلط والتجهيل..؟!
النظام السعودي وبعد ان تم احتوى مصر ودورها وتطويع إرادتها السياسية ومقايضتها بجعل استقرارها الاقتصادي المزعوم لقاء دورها الافتراضي ومن ثم تحويلها إلى مجرد ( بازار) لتنكفي قيادة مصر داخليا وتعتمد قانون المصلحة الذاتية ، فيما سورية في حالة دمار وان ظلت صامدة الإرادة لكنها تعاني من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تحول بينها وبين دورها القومي المفترض ، وهذا الحال شجع ال سعود في محاولة اخيرة وهي الاخيرة فعلا في محاولة إيجاد دورا إقليميا عبر بوابة العدوان على اليمن وهو المحور البديل الثالث للامة فسعت إلى تدمير وإقلاق هذا المحور لعلى يتمكن آل سعود من خلال تدمير اليمن وتدمير قدراته بل ونهبها والسيطرة والتحكم بجغرافيته للإبقاء على نفوذ وحضور نظام آل سعود كنظام فاعل وليس مجرد نظام وظيفي ينفذ ما يطلب منه رعاته خاصة وثمة جيل خليجي برزا مؤخرا ويخوض تنافس مع بعضه وتنافس تجاوز علاقة الاباء ومساحة التفاهم التي حكمت الاباء، بل نحن امام جيل خليجي تربى وترعرع في دهاليز الاجهزة الاستخبارية الامريكية _ البريطانية _ الصهيونية ، ويحاول هذا الجيل من القادة الخليجيين مغادرة القوالب السياسية التقليدية لأنظمتهم نموذج تميم قطر ومحمد وطحنون اولاد زائد في الإمارات، ومحمد بن سلمان في السعودية والثلاثة يخوضون صراعا تنافسيا قيما بينهم ومستعد كل واحد منهم ان يضحى بالأخرين مقابل تحقيق مصالحه..؟!
لكن للأسف وقع الجميع في الفخ اليمني فالعدوان على اليمن لن يخرج محمد بن سلمان ونظامه زعيما على الامة بل اشك في بقائه زعيما على شعبه ولا يختلف بن زائد عنه رغم هرولته للاستنجاد بالصهاينة مع وثول اول صاروخ يمني الى مضاربه فيما تميم لن يكون بدوره احسن حالا من رفاقه من ال زائد وال سعود، تأكيدا لحقيقة تاريخية وهي ان المحميات ليست هي مركز الاشعاع الحضاري والريادي للامة مهما اغدقت ابار الصحراء خيراتها عليهم فانهم لن يكونوا سادة الامة ولا قادتها لأنهم يمثلون انظمة محمية من المستعمر وبالتالي علاقتهم مبتورة بواقعهم ومع شعوبهم فما بالكم ببقية ابناء الامة..؟!
ان العدوان السعودي والإماراتي على اليمن ولحساب امريكا والصهاينة هو اخر نشاط تقوم به هذه المحميات قبل زوالها وإعادة تشكيل جغرافية الخليج وهي إعادة حتمية وكانت قضية ندوة نظمتها مجلة ( نيويورك تايمز) عام 1992م وشارك في جزءا منها المفكر الخليجي عبد الله النفيسي..!!
ان قدر انظمة المحميات زوالها على يد ابناء اليمن وهذا الامر لم يعود بعيدا فكل المؤشرات تدل على قرب هذا الاستحقاق..!!
ameritaha@gmail.com