الوحدة نيوز/ وجه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي مساء أمس كلمة في ذكرى جمعة رجب فيما يلي نصها:
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
يوم الغد هو الجمعة الأولى من شهر رجب، وعادةً ما نتحدث عنها في بلدنا اليمن بـ (جمعة رجب)، ويرتبط بها مناسبةٌ تاريخية وذكرى عظيمة لشعبنا اليمني العزيز، مثَّلت محطةً أساسيةً من المحطات التاريخية لهذا الشعب العظيم في انتمائه للإسلام، فرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” كان قد أرسل الإمام علياً “عليه السلام” إلى اليمن؛ ليدعو أهل اليمن إلى الإسلام، ووصل الإمام عليٌّ “عليه السلام” إلى صنعاء، ومعه رسالةٌ من رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، قرأها على الناس في صنعاء، فكان هناك استجابة سريعة، ودخولٌ طوعيٌ بكل رغبةٍ وقناعةٍ في الإسلام، وفي ذلك اليوم التحق عددٌ كبيرٌ من أبناء هذا البلد بالإسلام، وأعلنوا اسلامهم، وكتب الإمام عليٌّ “عليه السلام” إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” رسالةً أخبره فيها عن ذلك ببعضٍ من التفصيل، فسجد رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” شكراً، وسُرَّ سروراً عظيماً، ارتاح لذلك بشكلٍ كبير.
إقبال أهل اليمن إلى الإسلام كان منذ المرحلة الأولى في الدعوة الإسلامية، ورسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في مكة، حيث كان هناك القلة القليلة ممن آمنوا به في مكة، وكان من أبرزهم من هم من أصولٍ يمانية، مثل: عمار بن ياسر ووالده، ومثل: المقداد، المعروف بالمقداد بن الأسود الكندي، وعمار والمقداد من عظماء وأخيار صحابة رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله”، الذين آمنوا، وجاهدوا، وصبروا، وجمعوا بين الهجرة والجهاد والإيمان، وكانوا على مستوىً عظيم من الوعي، والبصيرة، والمنزلة الرفيعة في إيمانهم، وسابقتهم، وفضلهم.
ثم كان إيمان الأوس والخزرج (الأنصار)، الذين تشرَّفوا بهذا الشرف الكبير: الإيواء لرسول الله، ونصرته، والدخول في الإسلام، والأوس والخزرج من أصولٍ يمانية.
ثم تبع ذلك أيضاً إيمان البعض على مستوى أفراد، على مستوى جماعات، على مستوى قبائل، لكن التحول الواسع، التحول الكبير كان في جمعة رجب، وما تلا ذلك، وما تلا ذلك من انتشار الإسلام على نحوٍ واسع.
إقبال أهل اليمن في انتمائهم للإسلام، وفي انتمائهم الإيماني، كان متميزاً بأنه في أغلبه طوعيٌ كما قلنا، إقبالٌ برغبةٍ، بانسجامٍ، بتفاعلٍ كبير، باستجابةٍ ومبادرةٍ ورغبةٍ كبيرةٍ وسريعة، وأيضاً كان معه تجسيدٌ لقيم هذا الإسلام، ومبادئ هذا الإيمان، وتمسكٌ بقيمه وأخلاقه، ونصرةٌ، وجهادٌ، وعطاءٌ، وتضحية؛ ولذلك كانوا إلى درجةٍ وصفهم الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” بها بوصفٍ عظيم، ويعتبر بحقٍ وسام شرفٍ كبير، عندما قال “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” فيما روي عنه: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، وهذا يعبِّر عن أصالة هذا الشعب في انتمائه الإيماني، عن مدى إقباله إلى الإيمان، تمسكه بالإيمان، الإيمان كمنظومةٍ متكاملة: على مستوى المبادئ، على مستوى الأخلاق، على مستوى الالتزامات العملية، على مستوى المواقف، فكان هذا يميِّز هذا الشعب بأنه في انتمائه الإيماني أصيل الانتماء، صادق الانتماء، ثابت الانتماء، متميز الانتماء، وهذه نعمةٌ كبيرة، وشرفٌ كبير، نعمةٌ عظيمةٌ على أبناء هذا البلد، على مستوى ذلك الوقت، في ذلك العصر، في ذلك الزمن، في تلك المرحلة، ثم على مستوى كل مراحل التاريخ جيلاً بعد جيل إلى قيام الساعة، هذه نعمةٌ كبير، نعمةٌ عظيمةٌ جداً.
أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده، هي: نعمة الهداية، الهداية للإيمان، الهداية بتوجيهات الله وتعليماته للإنسان في مسيرة حياته، هذه الحياة هي ميدان اختبار، وميدان مسؤولية للمجتمعات البشرية كافة، والله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الانشقاق: الآية6]، مسيرة الحياة هي مسيرة اختبار، الإنسان يواجه فيها الكثير من الصعوبات والتحديات، ويعيش فيها الاختبار، أمام التوجيهات الإلهية، أمام ما يواجهه من تحديات وصعوبات وظروف، كيف سيتعامل معها، والإيمان عندما يمنُّ الله على شعبٍ، أو على شخصٍ، أو على أمةٍ، أو على مجتمعٍ بالإيمان، يعتبر توفيقاً عظيماً؛ لأن الإنسان مسيرته تتجه به نحو الله “سبحانه وتعالى”، سواءً كان كافراً أو مؤمناً، مطيعاً أو عاصياً، مرجعه إلى الله، مصيره إلى الله، للحساب وللجزاء على ما قدم، على ما عمل في هذه الحياة، على تصرفاته في هذه الحياة، وهو مصيرٌ محتومٌ لا مفر منه، لا يمكن للإنسان أن يمتنع عنه، ولا أن يفر منه، لا مفرَّ من الله إلَّا إليه.
الإنسان يأتي إلى هذه الحياة بأجل، ثم يأتيه الموت أو يقتل فيرحل من هذه الحياة، ثم تأتي المحطة الأخرى التي هي الدار الآخرة، يأتي الحساب، يأتي الجزاء على ما عمل الإنسان في هذه الحياة، والمسيرة الإيمانية هي مسيرة أنبياء الله، ورسله، والصالحين من عباده، وهي التي تكفل للإنسان الفلاح والفوز، فيكون فائزاً ومستفيداً من هذه الحياة، رابحاً، وناجحاً، وظافراً؛ لأنه ضمن لنفسه المصير الحسن، المستقبل الأبدي العظيم، الذي غايته: رضوان الله، والجنة، والحياة السعيدة الأبدية، إضافةً إلى ما يحظى به في هذه الحياة في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة من رعاية الله “سبحانه وتعالى”.
المسيرة الإيمانية- كما قلنا- هي مسيرة أنبياء الله، ورسله، والصالحين من عباده، وهي تصل الإنسان في مسيرة حياته، في مجالات هذه الحياة كافة، بتوجيهات الله تعالى وتعليماته، فيتحرك وفقها، في كل مواقفه، في كل شؤون حياته، هذه هي ثمرة الانتماء الإيماني، وتوجيهات الله “سبحانه وتعالى” وتعليماته هي من منطلق رحمته؛ لأنه الرحمن الرحيم، أرحم الراحمين، وبحكمته، وهو أحكم الحاكمين، وبعلمه، وهو عالم الغيب والشهادة، العليم بكل شيء، المحيط بكل شيءٍ علماً… وهكذا عندما نأتي إلى بقية أسماء الله الحسنى، لتعليماته ارتباطٌ بكل أسمائه الحسنى.
فأن يكون الإنسان في مسيرة حياته يتحرك وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، أن يكون منطلقاً في مسيرة هذه الحياة في أعماله، في اهتماماته، في التزاماته العملية، فيما يفعل، وفيما يترك، وفق تعليمات الله، وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، فهذه نعمةٌ عظيمةٌ؛ لأنه سيحظى برعايةٍ عظيمةٍ من الله “سبحانه وتعالى” فيما وعد به عباده المؤمنين المطيعين في عاجل الدنيا، وفي مستقبلهم الأبدي والدائم في آجل الآخرة.
هذه النعمة عندما نتذكرها، ونتذكر أهميتها وقيمتها فيما تتركه من أثرٍ في أنفسنا، وأثرٍ في واقع حياتنا، وفيما يترتب عليها في مستقبلنا الأبدي والدائم، لهذا التذكر أهميته الكبيرة؛ لأن البعض- مثلاً- سينظر إلى مثل هذه المناسبة إلى أنها لا تعني لنا شيئاً في زماننا هذا، [مسألة مرتبطة بجيلٍ من الأجيال الماضية، دخل في الإسلام، وانتهى الأمر]، ليست المسألة كذلك، النعمة على الآباء هي نعمةٌ على الأبناء، وبالذات في الأمور المصيرية، التي يترتب عليها مستقبل الأجيال، لو لم يكن هذا التوجه في تلك المرحلة، هذا الإيمان في تلك المرحلة، هذه النعمة التي أنعم الله بها على المسلمين عموماً في تلك المرحلة؛ لكانت الجاهلية استمرت في كل منطقة من ربوع عالمنا العربي والإسلامي، بكل ما فيها من ضلال، بكل ما فيها من دنس، بكل ما فيها من رجس، بكل ما فيها من مفاسد، بكل ما فيها من باطل، بكل ما فيها من منكر، ولكانت تعاظمت مساوئها وآثارها السلبية في كل واقع الحياة، لكانت تعاظمت ضلالاً، وباطلاً، ومنكراً، وفساداً، وطغياناً، وفجوراً، وسوءً، ولكانت في آثارها في واقع الحياة تعاظمت كذلك، حتى تصل بالبشر إلى وضعية سيئة للغاية في الدنيا، فما بالك في مستقبلهم في الآخرة.
فالنعمة على الأجيال الماضية، نعمة بني عليها، نتج عنها تحولٌ مستقبليٌ مصيريٌ ممتدٌ في كل الأجيال، هي نعمةٌ على كل جيل من تلك الأجيال، علينا نحن في هذا الزمن؛ ولهذا يأتي التذكير بنعمة الله “سبحانه وتعالى” في هدايته للإيمان، عندما قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}[الحجرات: من الآية17]، {يَمُنُّ عَلَيْكُمْ}، لله المنَّة علينا أن هدانا للإيمان، المنَّة على آبائنا وأجدادنا في كل تلك الأجيال، منذ انطلقت شعوبنا وأمتنا ضمن انتمائها الإيماني، هذه نعمةٌ عظيمةٌ جداً.
الله “سبحانه وتعالى” أيضاً يذكِّرنا بقيمة أن نتذكر النعم، أن ندرك قيمتها، أن نستشعر إيجابيتها، وأن نفرح بها، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]؛ لذلك من العظيم، من المناسب أنَّ هذه المناسبة تحظى باهتمام، بتقدير، بالنظرة إليها كذكرى تاريخية عظيمة وإيجابية، اعتاد شعبنا اليمني أن يعطيها أهمية، أن يدرك قيمتها، أن يجعلها مناسبةً لفعل الخير، لصلة الأرحام، للبر، للإحسان، للابتهاج بها، لذكر الله فيها، وأن يعقد فيها كمناسبة الكثير من الاجتماعات والاحتفالات… وما شابه، هذه مسألة جيدة.
الله “سبحانه وتعالى” أيضاً يذكِّرنا في القرآن الكريم بأهمية الإيمان، بعظمته، بثمراته الطيِّبة، بنتائجه الكبيرة على مستوى واسع، في نفس الإنسان، في سلوكه، في حياته، في مستقبله الأبدي، وأنه يمثِّل إنقاذاً للإنسان في الدنيا، وإنقاذاً له في الآخرة، إنقاذاً للإنسان في الدنيا؛ كي لا يضيع حياته، كي لا تتحول مسيرة حياته إلى وبالٍ عليه، يتحمل فيها الأوزار، والذنوب، والآثام، يرتكب فيها الجرائم، يسيء إلى إنسانيته، يُحرِم نفسه من القيمة الإنسانية التي وهبه الله إياها، وأيضاً فيما يترتب على ذلك من تأثيرات سيئة على الناس في حياتهم، ثم في مستقبلهم الدائم في الآخرة، عندما يكون المستقبل جهنم والعياذ بالله، العذاب الأبدي، الشقاء الدائم، الخسارة الكبرى للإنسان والعياذ بالله.
فالإيمان هو إنقاذٌ لنا في هذه الحياة، إنقاذٌ لنا في إنسانيتنا؛ لأن الإيمان يحفظ لنا انسانيتنا، القيم التي وهبنا الله إياها، الفطرة التي منحنا الله إياها، يحفظ للإنسان سموه كإنسان، شرفه كإنسان، اعتباره كإنسان، كرامته كإنسان، يبعده عن الرذائل، عن المفاسد، عن المخازي، عن الأشياء السيئة التي تسيء إلى شرفه وكرامته الإنسانية، ويترتب عليها آثار سيئة عليه في نفسه، في حياته، في واقعه، كشخص وكمجتمع، ثم إنقاذ في الآخرة، إنقاذٌ من عذاب الله، إنقاذٌ من الشقاء الأبدي، إنقاذٌ من جهنم والعياذ بالله، من الخسارة الكبرى، من فوات نعيم الجنة، من فوات رضوان الله “سبحانه وتعالى”، والكرامة، والرحمة الإلهية الأبدية.
فيمثل نعمةً عظيمةً في مقدِّمة كل النعم، تطيب به حياة الإنسان، يسمو به الإنسان، يشرف به الإنسان، يكرم به الإنسان، وهذا الإيمان كانتماء في ثمرته الأساسية يذكِّرنا الله “سبحانه وتعالى” بما يعنيه لنا، عندما قال “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ}[المائدة: من الآية7].
علينا كمنتمين للإيمان أن نتذكر بدءاً: أنَّ هذه نعمة، انتماؤك الإيماني، وأنك في عداد الذين آمنوا، تنتمي للإيمان، هو نعمةٌ عليك، عندما ولدت في بيئةٍ مؤمنة، أنت منتمٍ لهذا الإيمان، في مجتمعٍ ينتمي للإيمان، هذه نعمة عظيمة، تهيئ لك الفرصة الكبيرة جداً لأن تتجه نحو كمال إيمانك، نحو ترسيخ أو تثبيت المصداقية في هذا الانتماء، تحقيق المصداقية لهذا الانتماء، وفي سلم الكمال لهذا الانتماء، بكل ما يترتب على ذلك من آثار عظيمة، كما قلنا: لسموك الإنساني، لشرفك، لقيمك، لأخلاقك… لكل شيء، الإيمان نور، بصيرة، زكاء للنفس، أخلاق عظيمة، كل ما فيه يشرِّف الإنسان، يرتقي بالإنسان، يسمو بالإنسان، يصلح حياة المجتمع البشري، ثم أنت من خلال انتمائك الإيماني تحظى في أن تكون في منطلقاتك العملية، في حركتك في هذه الحياة، معتمداً على تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، على توجيهات الله “جلَّ شأنه”، هذه نعمة، والثمرة لهذا الانتماء الذي يعتبر ميثاقاً بحد ذاته ما بينك وبين الله “سبحانه وتعالى”، ثمرةٌ عظيمة، هذا الإيمان هو ميثاقٌ بينك وبين الله بانتمائك طبعاً، الانتماء الإيماني بحد ذاته ميثاقٌ بينك وبين الله “سبحانه وتعالى” على السمع والطاعة، {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، سمعنا لكل توجيهاتك يا الله، لكل هديك، لكل ما في كتابك، لكل ما تأمرنا به، {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، أطعنا في التزامنا العملي، فنعمل وفق ما أمرنا الله به، وفي نفس الوقت ننتهي عمَّا نهانا الله عنه، فنبني مسيرة حياتنا على هذا الأساس في كل المجالات: المجال السياسي، المجال الاقتصادي، المجال الاجتماعي… في كل شؤون هذه الحياة، يكون هذا هو المعيار الذي نضبط به مسيرة حياتنا فيما نفعل وفيما نترك، {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ}، تقوى الله “سبحانه وتعالى” هي التي تضبط لنا مسيرة حياتنا هذه، فنبقى ملتزمين، سامعين، مطيعين لله “سبحانه وتعالى”، فنخضع لتعليماته، لتوجيهاته، بدلاً عن أهواء أنفسنا، وبدلاً عن المشاقين، المخالفين لمنهج الله، لتعليماته “سبحانه وتعالى”.
يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً في القرآن الكريم، وهو يذكِّرنا بما يعنيه لنا انتماؤنا الإيماني: {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}[البقرة: من الآية231]، اتخاذ آيات الله هزواً: عندما نقرأها فلا نعمل بها، عندما لا نلتفت إليها في التزامنا العملي، نقرأها ثم نعرض عنها في مقام العمل، في مقام الالتزام، في مقام الطاعة، {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}، هذا منها، البعض أكثر من ذلك: قد يسخر، قد يعتبرها غير حكيمة، غير حضارية، قد يعتبرها أنها سلبية في الحياة، أنها تحد من حرية الإنسان في هذه الحياة، كل هذه العناوين التي يتحرك فيها أولياء الشيطان للصد عن سبيل الله، والواقع أنَّ كل آيات الله فيما فيها من تعليمات وتوجيهات، هي التي تكفل للإنسان الحياة الطيِّبة، الحرية الحقيقية بمفهومها الصحيح، الحضارة الراقية، التي تكون حضارة لا تهدم إنسانية الإنسان، لا تسيء إلى الإنسان في إنسانيته، حضارة راقية، حضارة بمعيار الأخلاق وبمعيار العدل.
{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ}[البقرة: من الآية231]، {يَعِظُكُمْ بِهِ}، الله “سبحانه وتعالى” أنزل علينا من هديه، من نوره، من تعليماته، ما هو نورٌ لنا في هذه الحياة، ما هو عظةٌ لنا في هذه الحياة، ما هو عبرةٌ لنا في هذه الحياة، ما نَرشُد به، ما نهتدي به، ما نتزكى به، أعطانا الحكمة، كل تعليماته حكيمة، هي الأفضل لنا في هذه الحياة، هي الأصوب، هي التي تستقيم بها الحياة، هي التي فيها الخير لنا في الدنيا والآخرة، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة: من الآية231].
ثم في القرآن الكريم تأتي المواصفات الإيمانية، التي تشخِّص لنا الانتماء الصادق على المستوى الإيماني، لماذا؟ لأنه في ظل الانتماء الإيماني قد يكون هناك من يتحركون تحت العناوين الإيمانية، أو يدَّعون الإيمان، ولكنهم بعيدون كل البعد عن المصداقية في انتمائهم الإيماني، وما أكثر ذلك! منذ اليوم الأول للإسلام، منذ اليوم الأول للإسلام كان هناك منهم- كما أخبر الله عنهم في القرآن الكريم-: {مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة: من الآية8]، من ينتمي للإيمان، وليس صادقاً في انتمائه، ليس هناك أي التزام أو ليس هناك أي مصداقية أصلاً، فلذلك تأتي مواصفات تقدم الصورة الحقيقية عن الإيمان الصادق، الإيمان وفق تعليمات الله وتوجيهات الله “سبحانه وتعالى”.
يقول الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة: من الآية71]، هذه الآية المباركة في سورة التوبة أتت ضمن مقارنة: ما بين المؤمنين الصادقين، وما بين المنافقين، لماذا؟ لأن المنافقين ينتمون للإسلام، ويدَّعون الإيمان، ولكنهم في واقع الحال ليسوا بصادقين، تنقصهم المصداقية في انتمائهم الإيماني، وتوجهاتهم العملية ومواقفهم مغايرة تماماً لانتمائهم الإيماني، فانتماؤهم في الدعوى شيء، ومواقفهم وتوجهاتهم العملية في مسيرة حياتهم شيءٌ آخر، يتناقض تماماً مع الانتماء الإيماني، فأتى القرآن الكريم بمقارنة، قدَّم فيها توصيفاً وتشخيصاً يفرز أولئك عن أولئك، ويبين حال كلٍّ من الفريقين، فعندما تحدث عن المؤمنين قال “جلَّ شأنه”: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: 71-72].
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، في مقدمة مواصفاتهم هذه الصفة المهمة جداً: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، فهم أمةٌ واحدة، يجمعهم هذا الولاء فيما بينهم، يوالون بعضهم البعض، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، يجمعهم هذا الولاء فيما بينهم، الذي يجعل منهم أمةً واحدة، لها موقفٌ واحد، لها توجهٌ واحد، تتحرك ضمن مسؤوليةٍ جماعية، هي تتعاون في النهوض بهذه المسؤولية، وفي هذا الولاء يحبون بعضهم البعض، يحترمون بعضهم البعض، يتعاونون مع بعضهم البعض، هو ولاءٌ فيه المحبة، وفيه النصرة، فيه التعاون، فيه التكافل، فيه التعاضد، كالجسد الواحد، كالبنيان وكالبنان يشد بعضه بعضاً، يتجهون اتجاهاً واحداً.
وهم يعملون الشيء الكثير لتحقيق هذا الولاء فيما بينهم، كم هناك في القرآن الكريم من قيم، من التزامات عملية تساعد على تحقيق هذا الولاء، في بدايتها هذا التوجه للنهوض بالمسؤولية الجماعية؛ لأن هناك في انتمائنا الإيماني وانتمائنا للإسلام مسؤوليات، على المستوى الشخصي التزامات عملية، عليك أن تعملها أنت، والتزامات عليك أن تعملها ضمن أمتك المؤمنة، ضمن إخوتك من المؤمنين والمؤمنات، أمتك الواحدة التي تتحرك معها ضمن هذا التوجه، وجود هذا التوجه الصادق بجد للنهوض بالمسؤولية الجماعية ضمن أمة، هو أول ما يساعد على تحقيق هذا الولاء؛ لأن الإنسان يدرك أنَّ من متطلبات النهوض بهذه المسؤولية الجماعية، هو: تحقيق الإخاء، الولاء، التعاون، التفاهم، المحبة، التي تساعد على التعاون كما ينبغي في النهوض بالمسؤوليات الجماعية، وهذا ما ينبغي أن يكون أيضاً توجهاً جاداً، ومحط اهتمام على المستوى التثقيفي، على المستوى التعليمي، على المستوى التربوي، وعلى مستوى الانطلاقة العملية، على مستوى الانطلاقة العملية.
نجد في القرآن الكريم عندما يقول الله “سبحانه وتعالى” عن المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: من الآية10]، عندما يقول عنهم: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، عندما يقول “جلَّ شأنه”: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: من الآية37]، عندما يقول “جلَّ شأنه”: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية134]، عندما يقول “جلَّ شأنه”: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54]… كم من المواصفات والالتزامات والقيم التي تساعد على تحقيق هذا الولاء، وعلى الحفاظ على استمراريته في طول المسيرة الإيمانية، وهي مسيرة حياة، ليست مجرد مرحلة مؤقتة تنتهي، لا، هي مسيرة حياة، التزامات طول وجودك في هذه الحياة، فهم يتجهون هذا الاتجاه، بعكس المنافقين.
المنافقون هم يتجهون اتجاهاً تخريبياً، لخلخلة الساحة من الداخل، ينحرفون في مسألة الولاء نحو أعداء الإسلام، نحو أعداء الأمة، بل يحاولون بكل جد، وبكل جهد، وبكل الوسائل والأساليب إلى تفريق أبناء الأمة، ألَّا يتجهوا هذا الاتجاه كأمةٍ واحدةٍ بعضهم أولياء بعض، فينحرفون بمن ينحرفون به، بمن يستجيب لهم، بمن يتأثر بهم، إلى معاداة المؤمنين وموالاة الكافرين من أعداء الإسلام والمسلمين، وإلى الارتباط بهم في حركتهم في النفاق؛ ليكون لهم اتجاه آخر عدائي للمؤمنين، وولاء للكافرين، وارتباط بالآخرين الذين يتحركون في الاتجاه المعاكس للتوجه الإيماني.
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فيكون هذا في صدارة الالتزامات الإيمانية، والمواصفات الإيمانية، والمؤمن عنده اهتمامٌ بذلك، عنده حرصٌ على ذلك، ليس من النوعية الذي قد يبعده عن ذلك أطرف مشكلة، أبسط مشكلة، أبسط قضية، أو أهواؤه الشخصية، مصالحه الشخصية، حساباته الشخصية، أنانيته التي تجعل منهم إنساناً أنانياً، يتجه من منطلقات شخصية، وليس من منطلقات إيمانية جامعة، لا يستشعر مسؤولية ضمن أمته؛ بالتالي هو سريعٌ في أن يفترق عن إخوته في الإيمان عن هذا الولاء، أن يخرج عنه لأي قضية، لأي موضوع، لأي سبب.
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، هذا الولاء له ثمرة، يرتبط به مسؤولية، ليست مجرد علاقات عاطفية مجردة، ليس لها هدف، هي علاقة هادفة، علاقة يرتبط بها مسؤوليةٌ عظيمة: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، في مقدِّمة مواصفاتهم الإيمانية، ذات الأهمية الكبيرة، التي هي من صميم التزاماتهم الدينية والإيمانية، التي أمرهم بها الله “سبحانه وتعالى”: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}، المعروف عنوانٌ واسعٌ وشاملٌ لكل ما أمرنا الله به “سبحانه وتعالى”، هو ضبطٌ لمسيرة حياتنا في كل مجالاتها وفق تعليمات الله “سبحانه وتعالى” التي تنسجم معها الفطرة الإنسانية، وتعرفها الفطرة الإنسانية، ويتحقق بها الخير للناس في الدنيا والآخرة.
ففي حركتنا في شؤون حياتنا، في مسيرة حياتنا، في كل مجالاتها: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية… في كل شؤون هذه الحياة، في مختلف التفاصيل، كيف نضبط نشاطنا في هذه الحياة كمستخلفين في الأرض وفق التعليمات الإلهية، التي تنسجم معها فطرتنا، تعرفها الفطرة، وفيها الخير للناس في الدنيا والآخرة، هذا العنوان- كما قلنا- يشمل كل تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، كل ما أمرنا الله به، يدخل ضمنه: العدل، يدخل ضمنه: الإحسان، يدخل ضمنه: التعاون على البر والتقوى، تدخل تحته كل الفضائل، كل المحاسن، يدخل تحته الخير كله، البر كله، المصالح الحقيقية السالمة من المفاسد، التي لا تغلب فيها المفاسد، يدخل فيه ما تصلح به حياة الناس في دينهم مع دنياهم، فهو عنوانٌ واسع.
وهم يتحركون ضمن هذا العنوان الواسع: {يَأْمُرُونَ}، لماذا؟ لأن المعروف يُحارَب، المعروف مُحارَب، هناك من يُحارِب المعروف في كل مجال من مجالات الحياة، في الميدان السياسي: هناك من يُحارِب المعروف، من يسعى لمنعه، من يسعى لإزاحته، في المجال الاقتصادي: هناك من يُحارِب المعروف، من يسعى لمنعه، في المجال الاجتماعي: هناك من يُحاِرب المعروف، من يسعى لمنعه، من يسعى لإزاحته، حركة الكافرين والمنافقين وهم يستهدفون أبناء الأمة، هي في هذا السياق: إزاحة المعروف ليحل بدلاً عنه المنكر، فيعملون على إزاحة العدل؛ ليحل محله الظلم، إزاحة الفضائل والصلاح؛ ليحل محلها الفساد في كل شيء: الفساد في أخلاق الناس، الفساد في حياتهم، في شؤونهم الاجتماعية، في علاقاتهم الاجتماعية، في واقعهم الاقتصادي… الفساد في كل شيء، هكذا المعروف يُحارَب، فإذا لم يكن هناك توجهٌ وتعاونٌ، وتحركٌ جادٌ للأمر بالمعروف؛ فالمعروف يُحارَب، والمعروف يزاح من واقع هذه الحياة.
نحن نجد مثلاً في عصرنا هذا، في كل شؤون حياتنا، محاربة واضحة للمعروف، عندما نسعى للأخوة ما بين المؤمنين، أليس هذا من المعروف؟ هناك من يسعى للتفرقة تحت مختلف العناوين: العناوين المذهبية، العناوين العرقة والعنصرية، العناوين السياسية، من يسعى للفرقة، من يعمل بكل جد على تفريق أبناء المجتمع، حتى في داخل مجتمعنا اليمني، هناك من يسعى دائماً للفرقة، لنشر الكراهية البغضاء، من يسعى لتحويل الولاء للكافرين.
من أبرز العناوين في هذه المرحلة، التي تتحرك بها حركة النفاق في ساحتنا الإسلامية بشكلٍ عام، هو: عنوان التطبيع مع إسرائيل، والتحالف مع أميركا وإسرائيل، ماذا يعني ذلك؟ سعيٌ لمنع المعروف الذي أمرنا الله به، وهو أن يكون المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وإحلال الولاء لأعداء الأمة، لأعداء الإسلام والمسلمين، الأمريكي والإسرائيلي هم أعداء واضحوا العداوة والبغضاء للإسلام والمسلمين، فيتجهون بكل جهد في حركة النفاق داخل هذه الأمة نحو الولاء لهم، والعداء للمؤمنين، وتحريم الولاء ما بين المؤمنين، والأخوة فيما بين المؤمنين، تصبح تهمة، وتصبح عندهم مَسَبَّة، وتصبح عندهم عنواناً رئيسياً يبنون عليه كل المواقف العدائية والتحريضية… وهكذا الكثير الكثير من الأمور التي هي في إطار المعروف مُحارَبة، مُحارَبة في الساحة بشدة، فالمؤمنون ينهضون ضمن مسؤولياتهم والتزاماتهم بالمعروف، وبالأمر به في الساحة؛ لأنه يُحارَب ويزاح.
{وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، فهم يتركون المنكر، وهم يمتنعون عن المنكر، وهم يطهِّرون ساحتهم من المنكر، وينهون عنه، لماذا؟ لأن حركة النفاق وحركة الكافرين من ورائهم، تستهدف داخل الساحة الإسلامية، داخل واقع الذين آمنوا أنفسهم، داخل واقعهم تستهدف ساحتهم هم بالمنكر، بكل أشكاله، والمنكر- كذلك- عنوانٌ واسع، يدخل تحته الضلال بكل أشكاله، ويدخل تحته الفساد بكل أشكاله، ويدخل تحته الظلم بكل أنواعه، تدخل تحته مساوئ الأخلاق الرذائل… وهكذا تدخل تحته كل الشرور، كل الأخطار التي تسيء إلى الإنسان، وتسيء إلى حياته، وتفسد حياته، عنوان واسع.
حركة النفاق تتحرك لفرض المنكر الله، قال عنهم: {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ}[التوبة: من الآية67]، ويتحركون في ذلك أين؟ داخل الساحة الإسلامية نفسها، داخل المجتمع المسلم نفسه، فيحاولون أن يحلوا المنكر بدلاً عن المعروف، فهم دعاةٌ للمنكر، أنشطتهم التثقيفية، أنشطتهم الإعلامية، أنشطتهم الدعائية، هي تشوه المعروف، وتقدِّم المنكر، لكن بغطاء آخر، بعناوين أخرى مخادعة؛ حتى يسعون إلى أن يوجدوا حالةً من القابلية للمنكر، كم من العناوين للمنكر: المنكر في ثوبه وشكله العقائدي: كضلال، وفي شكله العملي: كممارسة، في تأثيراته السلبية في واقعه في واقع الحياة: كنتائج، كم يغطونه بغطاء، بعناوين مخادعة، قد تكون مغرية للكثير من الناس، قد تتناغم مع هوى أنفس الناس في كثيرٍ من الأمور، ولذلك اتجاههم هو اتجاه مخالف، مخالف؛ لأنهم يأتون بالولاء للكافرين بدلاً من المؤمنين، أليس هذا من المنكر؟ يأتون أيضاً بالفواحش والرذائل، أو تقديم صورة مختلفة عن الإيمان كمنظومة متكاملة، صورة تقلِّص الالتزام الإيماني والانتماء الإيماني، إمَّا في حالة طقوس، أو تحرِّف الانتماء الإيماني، والنتيجة- في نهاية المطاف- بما يخدم أعداء الأمة، بما يخدم أعداء الإسلام والمسلمين، فهم يتحركون بالمنكر في الساحة، ينشرون الفاحشة، ينشرون الفساد، ينشرون الفرقة والبغضاء، ينشرون الظلم، يفسدون في الأرض فساداً واسعاً، شرهم كبير، وفسادهم واسع، لكن بأساليبهم، بعناوينهم المخادعة، بوسائلهم التي يستخدمون فيها الترغيب والترهيب، في هذا الزمن وفي كل الأزمنة التي مضت استخدم كل شيء لإحلال المنكر بدلاً عن المعروف، استخدمت القوة العسكرية، استخدمت الإغراء المادي، استخدم التزيين والإغراء، الذي يستهدف هوى النفوس، استخدم التضليل الثقافي والفكري، استخدمت الدعاية الإعلامية، تستخدم كل الوسائل بهدف إحلال المنكر بدلاً عن المعروف.
والمنكر لا ينسجم مع توجيهات الله وتعليماته التي تنسجم معها الفطرة، تعرفها الفطرة، تألفها الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وتصلح بها الحياة، وتستقيم بها الحياة، وفيها الخير للإنسان، فالمنكر عكس ذلك، هو في أصله، في نتائجه، وخيم، سلبي، سيئ، يسيء إلى الإنسان في إنسانيته، ويؤثر سلباً على واقع حياته، والحياة الآن في كل ما نراه فيها من عناء، من كدر، من بؤس، من شقاء، كل هذا نتيجة المنكر وأهله، المنكر وأهل المنكر، هم من يسوِّدون وجه الحياة، هم مصدر الظلم، مصدر الفساد، مصدر الشر، مصدر العناء، الحياة بالإيمان هي حياة طيبة، لكنهم هم من يسعون إلى إفسادها بمنكرهم، بظلمهم، بضلالهم، بإفسادهم، بشرهم، بطغيانهم، بإجرامهم.
عندما نتأمل في ساحتنا الإسلامية، كم هناك من أنشطة على المستوى التضليلي، لتضليل الناس، والضلال يشكِّل خطورة كبيرة على الناس؛ لأنه يجعل من المنكر مفهوماً مقبولاً، يروِّج للمنكر، يكون وسيلةً معتمدة تبرر للمنكر، تسهل للمنكر انتشاره، تسوِّغ المنكر؛ حتى توجد له القابلية في الساحة بعناوين أخرى، بعناوين أخرى، بوسائل أخرى.
ثم على مستوى المنكر الواضح جداً، حتى هو، مثل: المفاسد الأخلاقية، مثل: انتشار المخدرات، كل المفاسد والأشياء التي تشكل خطورة على المجتمع، تفسد المجتمع، وتنتشر بسببها الجرائم في حياة الناس، جرائم القتل، الجرائم الأخلاقية، جرائم الفساد… وهكذا التأثيرات السلبية التي تتقلص بسببها قيم الخير من أوساط المجتمع، روحية الخير من نفوس الناس، كلها هناك من يتحرك وراءها بشكلٍ كبير في الساحة في هذا العصر، ولذلك يجب أن يكون هناك في المقابل ماذا؟ تحركاً للنهي عن المنكر، ليحافظ على الساحة سليمةً أو على الأقل يحد إلى حدٍ ما، إلى مستوى معين، من المنكر.
{وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، كذلك على المستوى الروحي، صلتهم الروحية بالله “سبحانه وتعالى”، المتمثلة بصلاتهم، الصلاة الفرائض والنوافل، والفرائض هي في المقدمة، هي الأساس، صلاتهم قيِّمة، صلاتهم تصلهم بالله “سبحانه وتعالى”، يذكرون الله بوجدانهم، بمشاعرهم، بقلوبهم، بألسنتهم في صلاتهم، يقبلون فيها إلى الله “سبحانه وتعالى” بإيمان، بخشوع، بتذكرٍ لله “سبحانه وتعالى”، باستشعارٍ لعظمة الله “جلَّ شأنه”، فتصلهم بالله “سبحانه وتعالى”، تخرجهم من حالة الغفلة عن الله “سبحانه وتعالى”، وهي صلاةٌ قيِّمة، تركت أثرها في أنفسهم، على مستوى الاستشعار لعظمة الله، التذكر لله، على مستوى أيضاً زكاء النفس، طهارة القلوب والمشاعر… وهكذا أثرها الكبير في ترسيخ الثقة بالله، التوكل على الله… بقية ما تعنيه الصلاة في أذكرها، في أركانها، في كل ما فيها.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}، هم أهل عطاء، روحية معطاءة، بدءاً بالزكاة الفريضة، فيما يتحتم فيه إخراج الزكاة حسب تعاليم الله “سبحانه وتعالى”، وقواعد الشرع الإلهي، تعليمات الله “سبحانه وتعالى” الواضحة في ذلك، ثم يتبع ذلك عطاؤهم الواسع: في إنفاقهم، في برهم، في إحسانهم، وفق ما دعا الله إليه في القرآن الكريم، فروحيتهم روحية معطاءة.
{وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، وهذا ضابطٌ لمسيرة حياتهم في مختلف المجالات، هم أهل طاعة لله، طاعة لله، يطيعون الله في توجيهاته، في تعليماته، في التزاماتهم السلوكية، العملية، الأخلاقية، في النهوض بالمسؤولية، ليسوا ممن التزاماته محدودة في جانب معين، ثم يعصي الله في بقية الله الأمور، يحترمون حلال الله وحرامه، يقفون عند حدود الله، يضبطون التزاماتهم وأعمالهم وسلوكياتهم على هذا الأساس، وهذه هي الثمرة المهمة للإيمان: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، المؤمن يطيع الله، ولو عصى بزلةٍ في شيءٍ ما؛ يبادر إلى التوبة، والرجوع إلى الله بجد وصدق.
{وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}، هم من سيحظون برحمة الله “سبحانه وتعالى” في الدنيا والآخرة، مستقر رحمته في الآخرة، ورحمته بهم في الدنيا تشمل شيئاً كثيراً من رعايته، كل رعايته بهم، من هداية، من عون، من نصر، من توفيق، من تسديد، من بركة، من فرج، من… أشياء كثيرة جداً، وأشياء متعددة وواسعة.
{سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، ثم يقول الله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، هذا المستقبل العظيم الذي وعدهم الله به، المستقبل الأبدي، الفوز العظيم والسعادة الأبدية، {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، دار السعادة الأبدية الجنات، في الجنة وعد الله بها عباده المؤمنين، {خَالِدِينَ فِيهَا}، يعيشون فيها في نعيم، في سعادة للأبد، ليس هناك موت، ليس هناك هرم، ليس هناك مرض، ليس هناك منغصات، ليس هناك معاناة، ليس هناك فقر، ليس هناك شدة، ليس هناك صعوبات، ليس هناك مخاطر، ليس هناك تحديات… ولا أي شيء مما يمكن أن يكدِّر على الإنسان حياته، فهم باستقامتهم في هذه الحياة فازوا بهذا المستقبل الأبدي السعيد الدائم العظيم، الذي هو على أرقى مستوى من السعادة.
{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}، في قصور الجنة، وخيام الجنة، والمساكن التي أعدها الله في الجنة، {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}، والإنسان المؤمن يدرك ماذا يعنيه رضوان الله له، وأنه هو الذي يجعل من نعيم الجنة نعيماً هنيئاً وعظيماً، ويجعل منه تكريماً للإنسان؛ لأنه من رضوان الله “سبحانه وتعالى”، وبرضوانه.
{ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، الحياة التي تتحقق فيها للإنسان آماله على أرقى مستوى، بل أعظم من آماله، وأعظم من طموحاته، أرقى وأعظم وأفضل، أي فوزٍ أعظم منه؟! حياة للأبد، تتحقق فيها تلك السعادة، تتحقق فيها رغبات الإنسان وآماله على أرقى مستوى، وبأكبر حتى من طموحاته وسليمةٌ من كل الشوائب، في مقابل خسارة الآخرين الذين هم إلى العذاب، إلى الشقاء، إلى جهنم والعياذ الله.
فقدِّمت في هذه الآيات المباركة بعضٌ من المواصفات التي تعني ما عداها، وإذا تكاملت؛ تكامل معها غيرها، تكامل هذه المواصفات يستلزم بقية المواصفات التي ذكرت في آياتٍ أخرى.
أيضاً نجد مما يبين الانتماء الصادق، ويرد أيضاً أو يصحح الصورة لدى البعض عن كيفية الانتماء الإيماني، فيما حكاه الله “سبحانه وتعالى” في سورة الحجرات، قال “جلَّ شأنه”: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: من الآية14]؛ لأن القلب هو موطن الإيمان، ثم يترجم هذا الإيمان عندما يحل في القلب يترجم في سلوك الإنسان، في أعماله، في ولائه، في مواقفه، في جهاده، في تضحيته… إلى غير ذلك، في عطائه.
{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}[الحجرات: 14-15]، فالإيمان منظومة متكاملة، مع العبادات الروحية وأركان الإسلام الخمسة، تأتي المسؤولية بشكلها في: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، كجانب أساسي، مع الالتزامات السلوكية وفي المعاملات عباد الله، منظومة متكاملة، عملية التجزئة التي يريدها البعض، مثلاً: إسلام من دون مسؤولية، إسلام أصلي فيه، لكن ليس فيه جهاد بالمال والنفس، ولا فيه أمر بالمعروف، ولا نهي عن منكر، ولا التزامات أخرى، أو إيمان فيه بعض الأمور، لكن يترك الإنسان لنفسه تفعل ما تشاء وتريد، يترك لها المجال تفعل ما تشاء وتريد في هواها، وشهواتها، ورغباتها، حتى في المحرمات، هذه مسألة غير مقبولة أبداً.
فهنا يبين الله “سبحانه وتعالى” من خلال توضيحه وتبيينه في الرد على الأعراب، في التعليم لهم بحقيقة الإيمان، هم كانوا قالوا: (أمنا)، لكنهم كانوا يريدون إيماناً من دون جهاد، من دون مسؤولية، من دون موقف، إسلام الطقوس، إسلام الشعائر الدينية فحسب، كما هو عند الكثير في عصرنا هذا، فيرد القرآن عليهم بأن هذا لا يعتبر إيماناً: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}.
ثم في الأخير يقدم لهم مواصفات رئيسية، تعتبر مصادقاً للانتماء الصادق، تعتبر معياراً للانتماء الصادق: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، المؤمن لا يرتاب أبداً في وعد الله “سبحانه وتعالى”، يصدق ويثق بوعد الله وبوعيده، يؤمن بكل ثقة، بيقين، ببصيرة، ثم لا يرتاب أبداً، حتى وإن حصلت حملات تضليل، وإن واجه حملات التضليل والتشكيك، لا يتأثر بها؛ لأنه ينطلق عن يقين، عن بصيرة، عن وعي، عن فهم، عن معرفة، وبالتالي لا يمكن لحملات التضليل على المستوى الثقافي والفكري، وعلى مستوى الدعاية والإعلام، أن تهز قناعته وإيمانه، فهو لا يرتاب لا بوعد الله، ولا بوعيده، ولا بموقف الحق الذي هو فيه، ولا يرتاب تجاه الحقائق والتعليمات التي ذكرها الله “سبحانه وتعالى”، لا يرتاب في شيءٍ من الحق، مما قدمه الله “سبحانه وتعالى”، إيمانه مبنيٌ على ثقة، على يقين، فلذلك لا يرتاب، ولا تجاه المتغيرات والأحداث، عندما تحصل متغيرات، عندما تحصل ظروف معينة، أحداث معينة، مهما كانت قسوتها، مهما كانت تأثيراتها، ولا أمام الإرجاف والتهويل، أيٌ من ذلك لا يمكن أن يؤثر عليه، فيسبب له الريب، الذي نتيجته الشك.
أصل الريب: قلق، واضطراب، وعدم ثقة، تصنع شكاً لدى الإنسان، مثلاً: بعض الناس قد لا يثق في قوله “سبحانه تعالى”: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: من الآية7]، قد لا يثق في قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، قد لا يثق في قول الله “سبحانه وتعالى”: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: من الآية40]، فعندما تحصل مثلاً أحداث معينة، تحصل فيها انتكاسات، أو إخفاقات، أو هزائم، أو تراجعات، قد يكون سريع الارتياب، فيفقد ثقته بنصر الله أبداً، وهكذا تجاه بقية الوعود الإلهية، تجاه بقية الحقائق التي يقدمها الله في القرآن الكريم، قد يرتاب في أنها هي الحق، في أنها هي الحقيقة، في أنها هي الشيء الصحيح، وقد يتأثر ببدائل مناقضة لها، فيعتبرها هي الشيء الصحيح.
فالمؤمن لا يرتاب أبداً، ما هو عليه من اليقين، ما هو عليه من البصيرة، ما هو عليه من الوعي، ما يحمله من الثقة بالله “سبحانه وتعالى”، يجعله دائماً منطلقاً، متمسكاً، ثابتاً، مستقيماً، لا يتراجع، لا يتزحزح، لا يرتاب أبداً، {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}.
{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، {وَجَاهَدُوا}، يأتي الجهاد في التحرك وفق منهج الله “سبحانه وتعالى”، وفي التصدي لكل محاولات الأعداء في السيطرة على الأمة، ومنعها من الالتزام بمنهج الله وتعليماته.
الأعداء من الكافرين والمنافقين يسعون بكل الوسائل، وحتى بشكل المحاربة، بحربهم الشاملة للسيطرة على الأمة، والتحكم بها في كل شؤونها، في كل مجالات حياتها، وهم يستخدمون كل الوسائل: الوسائل العسكرية، الحرب الاقتصادية، الحصار، الحرب التضليلية والدعائية والإعلامية، هم في حالة حرب، وحالة هجومية دائمة لاستهداف الأمة.
ويأتي الجهاد في التصدي لهم، في الدفع لشرهم، لفسادهم، لباطلهم، الذي يحاولون أن يفرضوه على الأمة بكل الوسائل، في مقدمتها القوة، والضغط العسكري، والعدوان، والإجرام، فيأتي هنا الجهاد، يأتي الجهاد لدفع شرهم، لدفع فسادهم، لدفع ظلمهم، للتصدي لهم، فيما يمارسونه من جرائم بحق الأمة، فيما يفرضونه من باطل على هذه الأمة، يأتي الجهاد في كل المجالات: جهاد على المستوى العسكري، على المستوى الثقافي والفكري، على المستوى الاقتصادي، في كل المجالات، تصدٍ لكل مساعي أولئك، لكل حملاتهم العدائية في كل المجالات، فيأتي الجهاد، وفي مقدمته الجهاد بالمال (العطاء)، البعض قد يريد أن يجاهد بمقابل، فقط إذا كان سيعطى، ليس مستعداً لأن يعطي، لأن يبذل، لأن يقدم، ولا بدَّ للجهاد لا بدَّ له من تمويل، عملية التمويل جزءٌ من الالتزامات الإيمانية، بحسب الاستطاعة، بما هو متوفر، جاهدوا.
{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}، فهم يتحركون بأنفسهم في كل المجالات، للتصدي للحملات العدائية التي تستهدف الأمة في كل المجالات؛ بهدف إبعادها عن إيمانها، وبهدف إخضاعها لأعدائها من الكافرين والمنافقين.
{وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وفق تعليمات الله، من أجل الله “سبحانه وتعالى”، وفق الطريقة التي رسمها الله “سبحانه وتعالى”، وهي الطريقة التي تكفل للأمة حريتها، واستقلالها، وعزتها، وكرامتها، والخير لها في الدنيا والآخرة.
{أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، فتأتي هذه ضمن الالتزامات الإيمانية، ضمن الالتزامات الإيمانية، فلو أراد الإنسان مثلاً أن يفصل من التزاماته هذا الجانب، لن يكون صادقاً في انتمائه، ولذلك قال: {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، تعتبر هذه معياراً لمصداقية الإنسان في انتمائه الإيماني.
فتأتي هذه المواصفات لتبين لنا كيف يكون انتماؤك انتماءً صادقاً، مقبولاً، تحصل فيه كشخص، أو يحصل فيه المجتمع كمجتمع، أو أمةٌ كأمة، على الثمرة الإيمانية فيما وعد الله به في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.
أما مجرد الانتماء فيأتي الاختبار الإلهي، الله “جلَّ شأنه” قال في القرآن الكريم: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، تأتي الأحداث، المتغيرات، الظروف، المواقف، وتأتي معها حالة الفرز، التي تبين الخبيث، الذي لا يستقيم وفق هذه المواصفات التي قدمها الله “سبحانه وتعالى”، من الطيب الذي يستمر، يستقيم وفق هذه المواصفات، مستمرٌ ضمن هذه المسؤوليات، بروحيته الإيمانية، المعطاءة، المضحية، الصابرة، المستقيمة، المستمرة، وبين ذلك الخبيث الذي ينحرف عن ذلك بكل أشكال الانحراف:
– تتمثل في تنصلٍ عن المسؤولية، في جمود، في تخاذل.
– أو تتمثل في انطلاقة معادية بكل ما تعنية الكلمة، كما هي حركة المنافقين ومن معهم من الصادين عن سبيل الله.
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: من الآية179]، وفي هذا الاختبار تأتي هناك البعض من الصعوبات، البعض من التحديات، وهي التي تمثل أحياناً حالةً من الضغط على البعض:
– إما تدفع بهم إلى الريب.
– أو تؤثر عليهم بما يصل بهم إلى مستوى الخبث والانحراف.
لكن الإيمان الذي يمثل صلةً بالله “سبحانه وتعالى”، صلةً بهديه، بتعليماته، بنوره، صلةً بتوجيهاته في المجال العملي الذي يزكي النفس، الذي ينور الإنسان، يمنحه البصيرة، الوعي العالي، الفهم الصحيح، الزكاء للنفس، الطهر للقلب والمشاعر والوجدان، والصلة بالله “سبحانه وتعالى” التي يكسب بها الإنسان توفيق الله، معونة الله، تأييد الله، رعاية الله، النصر من الله “سبحانه وتعالى”، فيساعده كل ذلك على الاستقامة، ولا يتزلزل أمام الأحداث، ولا يتأثر، لا بالدعايات، ولا بالحملات التضليلية، ولا بالإشكالات التي تؤثر على البعض أحياناً.
الله “سبحانه وتعالى” يقدم هذه الحالة من الثبات في مواجهة التحديات، والتي هي من أهم تجليات الإيمان الصادق، فيقول “سبحانه وتعالى”: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران: الآية173]، هذه حالة الإرجاف والتهويل، وقد تتزامن أحياناً حالة الإرجاف والتهويل مع بعضٍ من المتغيرات والظروف: معارك على الأرض، أحداث، تراجعات، إشكالات، فتترك أثرها في البعض من الناس، عندما تتزامن مع أحداث صعبة، مع تحديات كبيرة، يأتي معها دعايات الإرجاف والتهويل، التي تخيف الناس من الأعداء، ترجف عليهم أمام قوة الأعداء، إمكانات الأعداء، تحركات الأعداء.
{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، بهذه العبارة التي تعني وكأن الناس كل الناس قد احتشدوا لمواجهتكم والهجوم عليكم، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، حالة الترهيب التي تستخدم لها في هذا العصر الكثير من الوسائل، وسائل الإعلام بكل أنواعها: قنوات فضائية، مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر من ذلك النشاط المباشر: الدعاية في المجالس، في المقايل، في التجمعات، في القرى، في المدن، حتى في الشوارع، أحياناً حتى في الباصات، يطلع مرجف ليخيف الناس، ليهول عليهم، ليخيفهم من الأعداء، ليهز ثقتهم بالله وبنصره، ليضعضع ثباتهم، ليعمل على هز قناعتهم وإيمانهم بموقفهم…إلخ.
{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، لاحظوا في تجليات الإيمان الصادق، أمام حالة الإرجاف والتهويل، وقد تتزامن مع أحداث مؤلمة، مؤسفة على الأرض تحصل، لكنهم لا يرتابون، المؤمنون الحقيقيون، المؤمنون الواعون، المستبصرون، المتيقنون، الواثقون بالله “سبحانه وتعالى”، المتوكلون على الله “سبحانه وتعالى”، لديهم وعي حتى عن أسباب الأحداث ونتائجها، ولذلك لا يرتابون أبداً مهما كان، مهما كان حجم الدعاية، ولو كانت رائجة؛ لأن عبارة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} ليست كما يقول بعض المفسرين: [قال لهم شخصٌ واحد]، هي تعني: دعاية رائجة، شائعة؛ لأن الدعايات الرائجة، الشائعة، قد تكون أكثر تأثيراً على البعض، يسمع هذا، ويسمع ذاك، ويسمع ذاك، يسمع هنا وهنا، ومن هنا، ومن هنا، وكأن المسألة أصبحت حقيقة بلا شك.
{فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}، زادوا ثقةً بالله “سبحانه وتعالى”، التجاءً إلى الله “سبحانه وتعالى”، توكلاً على الله، زادوا أملاً بنصره، ثقةً بنصره، رجاءً بنصره، زادوا كذلك قناعةً بما هم فيه من موقف الحق، تجلى لهم في الواقع أهمية موقفهم، ضرورة موقفهم، فيما يرتبط به من نتائج، فيما يترتب عليه من نتائج، اتجهوا بجدٍ أكثر، باهتمامٍ أكثر، بصبرٍ أعظم، هكذا، يزدادون التجاءً إلى الله وجداً في تحمل المسؤولية، واهتمامهم على المستوى العملي.
{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، قالوا بوعي، قالوا بإيمان، قالوا وهم يعون ما تعنيه هذه العبارة، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ}: يكفينا الله، وفعلاً أليس الله بكافٍ عبده، أليس في الله الكفاية، يكفينا الله أننا معه، أننا في الموقف الذي يرضيه، أننا انطلقنا استجابةً له، أنه لن يخذلنا، لن يتركنا، أنه معنا ونحن معه، يكفينا الله “سبحانه وتعالى” في أنه معنا ونحن معه، في أنه ناصرنا ومعيننا ومؤيدنا، في أنه هو من نرجوه، من نرجو فضله، من نرجو معونته، من نرجو نصره، من نرجو تأييده، وفي المقابل مهما كان حجم التحديات، مهما كان مستوى الصعوبات، مهما كانت كثرة الأعداء، مهما كانت إمكانياتهم، مهما كان حجم التضحيات، مهما كان مستوى المعاناة، حسبنا الله، يكفينا الله “سبحانه وتعالى”، نلتجئ إليه، نثق به، نعتمد عليه، نستمد منه النصر، نستمد منه القوة، وهو القوي العزيز، وهو أرحم الراحمين، وهو العلي العظيم… إلى آخر ما تعنيه أسماؤه الحسنى، هو المهيمن، هو الجبار المتكبر، إلى غير ذلك مما تعنيه أسماؤه الحسنى.
{وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}: نحن توكلنا عليه، بالتجائنا إليه، وثقتنا به، واستجابتنا له، وطاعتنا له، وتبنينا المواقف التي أراد منا أن نقفها، من أجله وقفنا تلك المواقف، طاعةً له، وثقةً بنصره، ثقةً بوعده، توكلاً عليه، ونلتجئ إليه، فما أتانا مما يكتبه لنا فنحن راضون به، {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً، ليبين ثمرة الإيمان في الثبات في مواجهة التحديات، مهما كان حجمها، ومهما كان مستواها: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب: الآية22]، الأحزاب عندما تحزبوا وتحالفوا على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، تحالف أعداء الإسلام والمسلمين من العرب مع اليهود، وشكلوا تحالفاً كبيراً، واتجهوا للحرب على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ومحاصرته في المدينة، هناك كما قال الله في القرآن الكريم: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب: الآية11]، وتحرك المنافقون في الداخل لضعضعة الصف الداخلي، حتى سعياً منهم لأن يصيبوا الحالة الداخلية بالوهن والضعف والتخلخل، بدلاً من التماسك والصلابة وقوة الموقف؛ فشككوا، وثبطوا، وخذلوا، واستخدموا كل العبارات التي تشكك، وتوهن، وتضعف، وترجف، وتخيف، وتضعضع، وتزعزع الثقة والأمل بالنصر، حكى الله ذلك بكثيرٍ من التفصيل في (سورة الأحزاب)، وبين كيف كان الموقف المتميز للمؤمنين الحقيقيين، في إيمانهم الواعي الصادق.
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ}، عاينوا وشاهدوا الأعداء بكثرتهم، وقد أتوا بجحافلهم، بجيوشهم، لم تعد المسألة مجرد دعاية (قالوا)، لا، (رَأَى) {رَأَى الْمُؤْمِنُونَ}، لم يضعفهم، لم يوهنهم، لم يزعزع ثقتهم ما رأوه من كثرة الأعداء، ما رأوه من إمكاناتهم؛ إنما كانت النتيجة كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، فكانوا واثقين بوعد الله، وأن الله لن يخلف وعده، بل إن الإنسان يزداد أملاً بالله أكثر، كلما كانت التحديات أكبر، كان أمل المؤمن ورجاؤه في الله وثقته به أكبر، {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}، فنرى أثر وقيمة الإيمان، في الظروف الصعبة، في التحديات الكبيرة، في مواجهة المخاطر.
أيضاً يؤكد القرآن الكريم فيما فيه من الآيات المباركة على جوانب كثيرة من الرعاية الإلهية بالتفصيل، تأتي أحياناً في مجالات معينة، جزءٌ منها أيضاً الرعاية الإلهية التي تأتي لمساندة المؤمنين في إطار موقفهم، جهادهم، في مواجهة التحديات والصعوبات، يقول الله “سبحانه وتعالى”: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: من الآية47]، هنا يقدم وعداً قاطعاً أكيداً بعبارةٍ كافيةٍ؛ لتأكيد ذلك: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، فهو يعدهم بالنصر بهذه العبارة القاطعة، بهذا الوعد الصادق القاطع، المؤمن يثق بذلك، المؤمنون يثقون بهذا الوعد الإلهي.
يقول الله “سبحانه وتعالى”: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج: الآية38]، هذا وعد أيضاً من الوعود الإلهية، وعدٌ صادق، لا يخلف الله وعده، ولذلك المؤمنون يتوكلون على الله “سبحانه وتعالى”، يثقون به، يلتجئون إليه، ينطلقون بروحٍ معنويةٍ عالية، وبصبر، لا يعني ذلك ألَّا يضحوا، ألَّا يعانوا، ألَّا يتعبوا، ألَّا تواجههم أحياناً بعض الإخفاقات، نتيجةً لظروف عملية معينة، عائدة إلى تقصير معين، أو خلل معين، أو قصور معين، أو ما شابه ذلك، هذا كله حاصل، لكنهم يتوكلون على الله، يحتسبون أي تضحية في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، يدركون أنهم الفائزون في كل الأحوال، في حال النصر، والشهادة التي تأتي في إطار نصرٍ حتمي، النصر حتمي للإيمان والمؤمنين.
يقول الله “سبحانه وتعالى” أيضاً في توجيهٍ مهمٍ جداً: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، المؤمن لا ينطلق معتمداً فقط على حساباته، على إمكاناته، على قدراته، هو يحسب حساب أن يكون مع الله، وأن يعمل ما يكون به جديراً بمعية الله، ليكون الله معه، ويدرك أن ذلك كافٍ في أن ينتصر، في أن يفوز، في أن يحقق النتائج الكبيرة في هذه الحياة، وأن يفوز بما وعد الله به في الآخرة، يدرك أن خياره الإيماني هو الخيار الصحيح، الذي به الفلاح، به الظفر، به الفوز العظيم.
ولذلك عندما نأتي إلى واقعنا كشعبٍ يمني، هويته إيمانية، انتماؤه إيماني، في مواجهة ظروفٍ كالتي نواجهها في هذه المرحلة، في هذا الزمن، زمن هو كغيره من الأزمنة، لكن قد تكون فيه الكثير من التحديات والظروف المختلفة عن كثيرٍ مما قد مضى، لكن الإيمان الصادق، الذي هو صلة بالله، بتعليماته، برعايته، بما وعد به، هو كفيلٌ في مواجهة كل التحديات والظروف مهما كان مستواها، في أي زمن، في أي ظرف، في أي متغيرات، ولذلك نحن نؤكد على أن الإيمان الذي هو انتماء لنا، هوية لنا، هو سبيل نجاتنا في الدنيا والآخرة، هو ما ينبغي أن نعتمد عليه في مسيرة حياتنا، في التزاماتنا العملية؛ لأن الإيمان مسيرة حياة، وتربية، وارتقاء، الإنسان لا يمكن أن يصل إلى أرقى مستويات الإيمان في لحظة واحدة، في مرحلة واحدة، مسيرة حياة، مسيرة حياة، التزامات عملية واسعة يستمر الإنسان عليها، يرتقي فيها بتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، وبالأسباب التي أرشد الله إليها في القرآن الكريم.
عندما نأتي إلى واقعنا في هذا الزمن، سواءً في اليمن، أو في غير اليمن، على مستوى الساحة الإسلامية، أو غيرها، ساحة البشرية في كل عصر ساحة فيها صراعات، فيها تحديات، ساحة اختبار، وميدان مسؤولية، دار مستقر الرحمة الإلهية، دار السعادة الأبدية السالمة من كل المنغصات هي الجنة، التي ليست فيها أعباء، ولا تكاليف، ولا تحديات، ولا مخاطر، والحالة من الصراعات، حالة الكدح في هذه الحياة، هي حالة في كل الساحة البشرية، {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الانشقاق: الآية6]، فالإيمان هو الربح، هو الفوز، وهو اليسرى، هو الطريق الصحيحة، هو الذي فيه السلامة والخير بما تعنيه الكلمة، هو الخيار الأفضل للمجتمع كمجتمع، للإنسان كشخص في هذه الحياة.
نحن في هذه المرحلة- وأكدنا منذ بداية العدوان- أن ما نعانيه هو جزءٌ مما تستهدف به أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام، الأمة الإسلامية كانت ولا تزال مستهدفة من أعدائها، لربما في هذه المرحلة كانت حصتنا من عدوان الأعداء ومؤامراتهم أكثر، لكن هذا لأننا في موقف قد نكون فيه أفضل من كثير من الحالات التي عليها بعض الشعوب، يعني: نحن مثلاً في توجهنا التحرري، الذي هو منطلقٌ وهو منبثقٌ من انطلاقتنا الإيمانية، أن نتحرر من هيمنة الكافرين والمنافقين، هذه الحالة أغاضت أعداءنا كثيراً، واتجهوا بكل إمكاناتهم لمحاربتنا، بهدف استعادة السيطرة علينا بشكلٍ كامل، سيطرة على شعبنا وبلدنا، سيطرة على الإنسان والجغرافيا، ثم نتيجةً لذلك نعاني، لكننا في إطار موقف، موقف مشرف، موقف المؤمنين، موقف الصابرين، موقف المجاهدين، موقف الثبات، الموقف الذي يجسِّد الحرية بكل ما تعنيه، الكرامة بكل ما تعنيه، الموقف الصحيح، نحن نأبى المذلة، نأبى الهوان، لا نقبل بسيطرة أعدائنا علينا، لا نقبل باستعبادهم لنا، هذا موقف مشرف، فمهما كان حجم المعاناة ونحن في إطار هذا الموقف الصحيح، فهذا شيءٌ لا ينبغي أن يترك تأثيراً علينا في موقفنا، أو في مستوى اهتمامنا والتزامنا العملي، الذي هو في إطار هذا الموقف، ينبغي أن نستمر في تحركنا الجاد، وما يحصل هو يزيدنا إيماناً، أوليس ذلك كذلك؟
ما الذي يفعله أعداؤنا بنا؟ أليسوا يرتكبون أبشع الجرائم، جرائم الإبادة الجماعية، القتل للناس بشكلٍ جماعي، القتل للأطفال والنساء، الاستهداف للناس في السجون، الاستهداف للناس في المساجد، في الأسواق، في الأفراح، في الأحزان، القتل للأطفال والنساء، القتل لمن ليس لهم علاقة- حتى باعتراف العدو- بالمشكلة، بالمشكلة معهم، كما هو حال السجناء مثلاً، والعدو يرتكب أبشع الجرائم، ارتكابه لأبشع الجرائم أليس مما يزيدنا إيماناً بأننا في موقف الحق، بأنه عدوٌ مبطلٌ مجرم؟ أليس كل ما يفعله بنا من قتل، وحصار، وانتهاك للأعراض، واحتلال، وكل ما يفعله في إطار ذلك، أليس هو كله إجرام، كله وحشية، كله طغيان، كله ظلم؟ أليس هذا يزيدنا بصيرةً تجاه عدونا، تجاه موقفنا من عدونا، أنه كلما زاد ظلماً لنا، كلما ارتكب المزيد من الجرائم بحقنا كشعبٍ يمني، كلما سعى أكثر وأكثر لاحتلال بلدنا، وانتهاك عرضنا، كلما ازداد حصاره لنا، وسعيه لتجويعنا، كلما ألحق بنا المزيد والمزيد من المعاناة، أليس ذلك يزيدنا بصيرةً ووعياً تجاهه، وتجاه موقفنا في وجوب التصدي له، في أن نتحرك أكثر وأكثر لمواجهته، لإلحاق الهزيمة به، لمنع ظلمه، لدفع شره؟
بلى، المسألة هي هكذا، المسألة بحكم انتمائنا الإيماني، وبحكم فطرتنا، الفطرة التي فطرنا الله عليها، الحالة الإنسانية السليمة، الفطرة البشرية السليمة، هي تحدد لنا ردة الفعل الصحيحة، ردة الفعل غير الصحيحة هي الاستسلام، هي الخنوع، هي الذل، هي التنصل عن المسؤولية، هي التهرب من القيام بما ينبغي، بما يجب، بما هو في نطاق المسؤولية، بما تفرضه علينا مسؤوليتنا من جانب، وهو- في نفس الوقت- الموقف الحكيم الصائب، الذي يثمر- في نهاية المطاف- الثمرة المرجوة في دفع هذا العدو.
العدو الذي يفعل بنا ويرتكب بحقنا كل هذه الجرائم، من أول ليلةٍ في عدوانه إلى اليوم، ونحن على مقربة من تمام السبع سنوات، أليس من الخطر الكبير ومن الخطأ الفادح أن نقبل بسيطرته علينا، وهو عدوٌ يحمل من الحقد، وهو فيما هو عليه من الشر والسوء والإجرام والطغيان بما قد عرفناه عنه؟ أليس ما قد فعله بنا كافٍ في أن نعرفه حق المعرفة، أنه عدوٌ بكل ما تعنيه الكلمة، عدوٌ سيء، عدوٌ حاقد، عدوٌ مجرم، طاغٍ، متكبرٍ، مفسدٍ، ظالم؟
وبالتالي بالأولى أنه كلما زاد ظلمهم لنا، طغيانهم علينا، تكبرهم علينا، أن نزداد وعياً، ثباتاً، جديةً في التصدي لهم، في دفع شرهم، في مواجهة بغيهم، هذه هي النتيجة الصحيحة، وأن تكون ثقتنا بالله، أنه بقدر ما نقوم بما علينا، بقدر ما نتحرك فيه في إطار مسؤوليتنا، فإن الله “سبحانه وتعالى” أعظم وأكرم وأرحم، وهو “سبحانه وتعالى” ذو الفضل الواسع العظيم، وصادق الوعد، سيمدنا حتماً بالنصر، ولن يخلف وعده.
عندما تحصل أحياناً بعض الإخفاقات، أو بعض التراجعات، هي نتيجة لإشكالات عملية، أو لتقصير معين، أو لخلل معين، لكن ذلك لا يعني نهاية المعركة، ولا يعني أبداً تحول الوضع بكله أبداً.
منذ بداية العدوان وإلى اليوم واجهنا صعوبات كبيرة جداً، تمكن العدو من السيطرة على محافظات بأكملها، هذا في بداية العدوان، في بداية الاجتياح البري، تمكن العدو من السيطرة على محافظات بأكملها، تمكن من تحقيق اختراقات بالغة الخطورة، وصولاً إلى نهم، وصولاً إلى أماكن كان يؤمل فيها أنه سيحسم المعركة نهائياً، وحصلت أيضاً ظروف صعبة جداً من الحصار، الجرائم الكبيرة التي يرتكبها العدو، الوحشية، الشديدة، التي بدأ بها في ممارساته الإجرامية، ولكن بالثقة بالله “سبحانه وتعالى”، بالتوكل على الله، بالتحرك الجاد، بالتضحية، بالموقف، بالصبر، الصبر في ميدان العمل، الصبر والناس يتحركون إلى الجبهات، الصبر والناس يبعثون بقوافل الرجال، وبقوافل المال، وقوافل الغذاء، الصبر والناس يصبرون على التضحية، بإباء، بإيمان، بعزة، بكرامة، بقوة إيمانية، نتج عنه النتائج الطيبة، تحقيق الكثير من الانتصارات العظيمة، شعبنا إلى اليوم منتصر بكل ما تعنيه الكلمة، والعاقبة الحتمية لتضحياته، لصبره، لثباته على موقفه، هي النصر؛ لأنه وعد الله، الذي لا يخلف وعده أبداً.
في بعض الحالات- مثلما في المرحلة الأخيرة- أتى العدو من جديد بحملة تصعيدية أكبر، وتمكن الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني من الدفع بالإماراتي، الذي كان قد أعلن سابقاً انسحابه من البلد، أقنعه بالعودة إلى التصعيد، وأن يبذل كل جهده في التصعيد من جديد، وهم بذلك يورطون الإماراتي، هو الخاسر بعودته إلى التصعيد، بتورطه من جديد فيما لا يعنيه، فيما ليس له فيه أي حق، فيما هو فيه باغٍ بكل ما تعنيه الكلمة، لا سابقة لشعبنا فيما مضى ضد الإماراتي، تبرر له عدوانه وبغيه على هذا الشعب، لا مشكلة، لا حدود مشتركة، لا نزاع، لا قضية معينة، ولا أي شيء، كل ما في الأمر أوامر- يسميها هو بالضغوطات- أوامر أمريكية بريطانية إسرائيلية واضحة، والتحريض له مستمر، ليستمر في تورطه.
فحصلت بعض التراجعات في محافظة شبوة، نتيجة ظروف عملية معينة، قد يكون شابها البعض من التقصير، أو القصور، هذا يحصل في ظروف الحرب، حصل حتى في عصر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” في أحد، في حنين، ولكنه لا يعني أن مصير هذا البلد، مصير هذا الشعب انتهى إلى الهزيمة، هذا شيءٌ لن يكون أبداً، ما دام هذا الشعب ثابتاً، صابراً، واثقاً بالله، متوكلاً على الله، جاداً في موقفه، واقفاً كما ينبغي في مسؤوليته، العاقبة الحتمية هي النصر.
في المرة السابقة أتى الإماراتي منذ بداية العدوان كان أداةً رئيسية من أدوات أمريكا وإسرائيل وبريطانيا إلى جانب السعودي في العدوان، ودخل بكل إمكاناته للتصعيد، ووصلت مراحل التصعيد إلى مستويات معينة، حصل لها نتائج ميدانية معينة، ولكن في نهاية المطاف فشل، تضرر هو من عدوانه، من بغيه، وهو في الموقف الخطر هو؛ لأنه في موقف بغي، يسبب له سخط الله، بالقدر الذي يرى فيه أنه يرضي الأمريكي، ويتودد إلى الإسرائيلي، ويتقرب إلى البريطاني، هو يسبب لنفسه سخط الله، قد يكون المنافقون من أبناء هذه الأمة، أمثال النظام السعودي والنظام الإماراتي، لا يستوعبون ولا يدركون ماذا يشكل سخط الله من خطورةٍ عليهم، وقد يكون الكثير من الناس حتى عندما يسمعنا نتكلم مثل هذا الكلام يسخر منا، ويستهزئ بهذا المنطق.
لكننا نقول بكل ثقة، والواقع سيشهد أن الذين انطلقوا من أبناء أمتنا في صف أمريكا، وفي صف بريطانيا، وفي صف إسرائيل، بغياً وعدواناً على أمتهم، جاءوا بعنوان السلام، ليجعلوا منه عنواناً لتحالفاتهم مع أعداء الأمة، ووقوفهم في صف أعداء الأمة، وواجهوا أمتهم، وأحرار أمتهم، وشعوب أمتهم، بالبطش، بالجبروت، بالوحشية والإجرام، بالبغي والعدوان، عاقبتهم هي الخسران، عاقبتهم هي الخسران، الأرض أرض الله، والعالم ملكوت الله، من يتصور، أو يتخيل، أنه باسترضائه لأمريكا، بتحالفاته مع أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، أصبح في وضعية المنتصر، في وضعية المفلح، الفائز، الرابح، الظافر، الذي اختار لنفسه الاتجاه الصحيح، الذي ضمن مستقبله، فهو في ضلال، ومآله الحتمي إلى الخسران؛ لأن هذا وعد الله “سبحانه وتعالى”.
كم من أبناء هذه الأمة من جربوا هذه التجربة، وقفوا في صف أمريكا وبريطانيا، والبعض كان لهم أيضاً علاقات قوية مع إسرائيل، ظاهرة، أو خفية، وخسروا في نهاية المطاف، من أجل توددهم إلى أمريكا وبريطانيا وإسرائيل قتلوا، أجرموا، ظلموا، اعتدوا، بغوا، فعلوا الكثير والكثير، في النهاية خسروا، انتهت أنظمة، سقط زعماء، وهم كانوا ممن بذلوا كل جهد في توددهم إلى أمريكا وإسرائيل.
ولذلك أنا أقول لشعبنا العزيز: مهما كان حجم العدوان، الغارات، القصف، الحصار، فنحن بتوكلنا على الله، بثقتنا بالله، بحجم هذه المظلومية، بمستوى هذا التحدي، عندما نثق بالله ونتحرك بكل جدية سننتصر، سنحظى برعايةٍ من الله أكبر، بمعونةٍ من الله أكبر، علينا أن نكون دائماً في ثبات، وأن نثق بالله على الدوام، ألَّا نرتاب أبداً، نهائياً، أن نستفيد من كل ما قد مضى منذ بداية العدوان وإلى اليوم، أحداث، مراحل تصعيدية كبيرة، العدو منذ بداية العدوان وإلى اليوم يعد لحملات تصعيدية، عسكرياً، اقتصادياً، إعلامياً، ويدخل في حملته، أحياناً يكون معها عناوين معينة، أو يكون لها شعارات معينة، حملات تصعيدية باسم اجتياح صنعاء والوصول إلى صنعاء، حملات تصعيدية على المستوى العسكري، على المستوى الإعلامي، على المستوى الاقتصادي والحصار الشديد، فشلت، حملات تصعيدية على الحديدة، حملات تصعيدية على حجة، على صعدة، على البيضاء، على الجوف، كم حملات تصعيدية، حملة تلو حملة، يعدون لها العدة، يحشدون لها كل طاقاتهم، كل إمكاناتهم، يرفقونها ويتزامن معها حصار شديد، حملات إعلامية دعائية كبيرة، وفشلت، والآن ستفشل الكثير والكثير من حملاتهم، نحن على ثقة بالله “سبحانه وتعالى”، مسألة تراجع في جبهة هنا، أو في مواقع هناك، هذا شيءٌ يحصل منذ بداية العدوان وإلى اليوم، فيما مضى قد حصل ما هو أكبر، كما قلنا اجتياح محافظات بأكملها، ما كنا لنتزعزع، بل على العكس.
نحن نقول: إذا احتلوا منطقة معينة، أو زاد حصارهم، أو زادت جرائمهم، هذا يزيدنا قناعة، ويزيد من مسؤوليتنا أصلاً في التصدي لهم، في بذل جهدٍ أكبر في مواجهتهم، في الجدية أكبر في التصدي لهم، ويزيدنا التجاءً إلى الله، ثقةً بالله، توكلاً على الله، هذا هو مقام الإيمان، مقام الصبر، مقام الصدق، ماذا يقول الله لنا في القرآن الكريم؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: الآية200]، {اصْبِرُوا}، إذا زادت الصعوبات، إذا زادت التحديات، صابروا، {وَصَابِرُوا}، اصبروا أكثر وأكثر وأكثر، واستمدوا الصبر من الله، قولوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة: من الآية250].
المتغيرات على مستوى الساحة بكلها هي لصالح المؤمنين، الصابرين، المضحين، الثابتين، وإلى الآن الواقع يشهد، وفي المستقبل أكثر، التجليات واضحة، زيادة تصعيد العدو أكثر فأكثر؛ لأنه يزداد قلقاً، يزداد خوفاً، تتراءى له المشاهد النهائية لفشله وإخفاقه، فيحاول أن يزيد أكثر وأكثر من بطشه، وجبروته، وعدوانه، وحصاره.
المؤمنون على مستوى الواقع في كل أمتنا يزدادون ثقةً في كل ميادين المعركة مع الأعداء، تزداد روابطهم، إخاؤهم، تعاونهم، تضامنهم، من اليمن، إلى فلسطين، إلى لبنان، إلى سوريا، إلى البحرين، إلى العراق، إلى إيران، معهم كل الأحرار من بقية شعوب الأمة، بقية مناطق العالم، كلما زاد الوقت أكثر، كلما تعاظمت الجرائم، كلما ازداد مستوى التضامن، والأمل كبيرٌ في الله “سبحانه وتعالى”، وثقتنا بالله دينٌ، وإيمانٌ، ويقينٌ، ومبنيةٌ على بصيرةٌ ووعي، والحقائق واضحة.
ولذلك نحن نؤكد في هذا المقام أن ثباتنا في التصدي للعدوان، مهما كان مستوى العدوان، مهما كان مستوى التصعيد، هو جزءٌ من التزامنا الإيماني، الأخلاقي، الإنساني، القيمي، الذي نعتبر الثبات فيه، والاستمرار فيه، استمراراً في الإيمان، وسبباً لنحظى بنصر الله ومعونته.
أملي فيكم يا أبناء شعبنا العزيز هو- وهذه أيضاً ثقتي فيكم، ليس فقط أملي فيكم- أن تزدادوا صبراً، وثباتاً، وتعاوناً، وتكافلاً، وجداً، وأن تثقوا في الله، إن الله لن يخذلكم، إن الله هو الذي يعلم بمظلوميتكم، يعلم بمعاناتكم، يعلم بما يفعله أعداؤكم، ما يرتكبونه بحقكم من الجرائم، هذا الحصار، هذا الطغيان، تلك الجرائم من جانب الأعداء هي سببٌ لهزيمتهم، ومظلوميتكم مع صبركم، مع ثباتكم، مع عطائكم، مع تحملكم لمسؤوليتكم، مع قيامكم بواجباتكم، مع اعتمادكم على الله، سببٌ للنصر المحتوم، {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: من الآية7]، {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
أسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛